بمكيالك يكال لك

04:20 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد الله الهدية الشحي

يحكى أنه في قرية ما كان هناك رجل فقير يقيم مع زوجته في بيت قديم لهما، وكانا يعيشان على عمل بسيط يحصلان من خلاله على مردود قليل من المال يسدان به رمقهما، ويواجهان به أدنى متطلبات الحياة، التي تثقل كاهليهما وتؤرق بضرورة الحصول عليها مضجعهما.
فقد كانت الزوجة تمتهن صناعة الزبدة بتحضيرها على شكل كرة وزن الواحدة منها كيلو جرام دون نقص أو زيادة، بينما يقوم الزوج بقطع المسافات الطويلة، ليبيعها في المدينة لصاحب أحد المتاجر ذائعة الصيت، ويشتري بثمنها حاجات بيته الأساسية. مرت الأعوام والرجل يغدو ويؤوب على هذا الحال، إلى أن شك التاجر بوزن كرات الزبدة فقام بوزن إحدى الكرات، فوجدها 900 جرام فقط، فذهل وانتظر قدوم الرجل البائع بكثير من الغضب الذي لا يكظم، وعندما حضر باغته بالتأنيب والكلمات الجارحة وبالتهديد والوعيد، تفاجأ الرجل الفقير من الكلام الذي سمعه وحزن على ما آل إليه أمره، ولكنه استعاد ثقته بنفسه، قال للتاجر نحن يا سيدي لا نملك ميزاناً، والغش ليس من صفاتنا، ولكنني اشتريت منك قبل أن أبيعك الزبدة كيلو جراماً من السكر، وجعلته لي معياراً أزن به الزبدة التي أبيعها لك.
«بمكيالك يُكال لك» هذه هي العبرة من الحكاية التي وردت أعلاه، فهل يعي فحواها ويستفيد من معناها أصحاب المحال التجارية، خاصة ذات المواد الاستهلاكية منها، والتي تتفنن في دعايتها وإعلاناتها، وتتقن طرق الاحتيال بكل براعة وتبدع في طرق جذب المتسوق، واستغلال ضعف ثقافته الشرائية عن طريق شعارات تحطيم الأسعار أو التنزيلات الكبرى أو الحسومات، التي أصبحت خصومات، ولكن مع كل هذا بقيت المحال بأنواعها المختلفة والمؤتلفة كما هي الخصم والحكم.
فالمتابع لما يعلن عنه، وما اتفق عليه مع إدارة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد شيء، وما نراه على أرض الواقع شيء آخر، فما كان ضمن قائمة الخصم، إما أن تشمله الكذبة الكبرى بوضع سعر أعلى بكثير من قيمته الحقيقية، ثم شطبه وكتابة سعره المعروف قبل الخصم أو أقل بما لا يتعدى الخمسة فلوس، ويحدث كثيراً دون أدنى غرابة.
كل هنا يكيل بمكياله دون أدنى مراعاة للمستهلك ودون خوف من المكيال الذي ستكال به الأعمال يوم القيامة فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره. وما أكثر الضيم الذي يلحق المستهلك، من قبل أغلب المحال التجارية، وما أكثر الضيم الذي يلحقه المستهلك بنفسه، حين لا يكيل تسوقه بمقدار حاجته، وحين لا ينمي ثقافته الشرائية، ويقيسها بمكيال طرق استغلال المتسوق، حتى لا يلدغ من ذات الجحر مرتين وأكثر، وقد قيل بأن الذي يرضى بالصفعة الأولى حتماً يستحق الثانية والثالثة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"