انفصام إيراني

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
عثمان النمر

تهرب إيران إلى الأمام، فبدلاً من أن تركز على حل مشكلاتها الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تصدر المتاعب والمشاكل وتتبنى المؤامرات وتشعل الفتن لإثارة الاضطراب وضرب الاستقرار في جوارها الخليجي العربي، وتحاول أن تجد لها موطئ قدم في الخواصر الرخوة في الجغرافيا العربية النائية.
فشلت الثورة الإسلامية الإيرانية في أن تتحول إلى دولة في صيرورة التطور السياسي الطبيعي لتكون لكل الإيرانيين، فتخندقت في أيديولوجيا دينية قومية استعلائية، وأقصت كل التيارات السياسية الأخرى، واحتكر الملالي المعممون صناعة القرار السياسي، وفرضوا وصايتهم على الدولة والمجتمع.
إيران بعد 47 سنة من الثورة ترفض التطور السياسي وتتأبى على التغيير، ما جعلها تصاب بالانفصام وازدواج الشخصية. وأصبح لها هيكلان ووجهان. فالدولة الثيوقراطية بامتياز تتخفى وراء الدولة الحديثة. فمؤسسات الدولة الحديثة مثل الرئاسة والبرلمان والجيش والشرطة والأمن، تنهض في مقابلها مؤسسات دولة دينية مثل مؤسسة المرشد الأعلى الذي ينتهي إليه الأمر والكلمة العليا، ومجلسي الخبراء وصياغة الدستور والحرس الثوري الجيش العقائدي للثورة، والمتطوعون (الباسيج) المخزون الشاب من الحشد الشعبي الجاهز لكل إشارة.
هذه الازدواجية في بنية الدولة وهياكلها تؤكد فرضية الدولة داخل الدولة. فالدولة الدينية الموازية للدولة الحديثة تعكس الصعوبة في التعامل مع الدولة الإيرانية في الداخل والخارج، وتفرغ هذه الازدواجية المؤسسات الحديثة للدولة من كل معنى وفعالية. فالمؤسسات المنتخبة التي يفترض أن تعبر عن إرادة الشعب تخضع جملة واحدة لمؤسسات غير ديمقراطية وغير منتخبة، ما يجعل إرادة الشعب الحرة مقيدة وخاضعة للوصاية من حفنة قليلة من العمائم المتأدلجة.
وفي هذا السياق صوت الدولة الدينية أعلى من صوت الدولة العصرية، ويستلب أدوارها، ويخرق الأعراف والمبادئ المرعية في العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى، ما يدخل الجمهورية اسماً والدكتاتورية فعلاً، في تناقضات وخطاب مزدوج.
أخطأت إيران قبل أربعة عقود بتبني نهج تصدير الثورة فدفعت الثمن غالياً بشرياً واقتصادياً وسياسياً. وأخطأت بتحدي المجتمع الدولي فدفعت ثمناً إضافياً، ورزحت تحت الحصار والعقوبات حتى أوشك اقتصادها على الانهيار كما حذر الرئيس حسن روحاني، وهو يسوق الاتفاق النووي مع الدول الكبرى (مجموعة 5+1) لإنقاذ الدولة الحديثة التي أقعدت بها الدولة الدينية المتخندقة في أيديولوجيتها المغلقة الجامدة.
إيران الثيوقراطية يبدو أنها لم تتعلم من دروس التاريخ، ومن تجربتها المرة في العقود الأربعة الماضية. فمازالت تتبنى نهج تصدير الثورة، إلى الجوار العربي وحياكة المؤامرات وتهريب السلاح والمتفجرات لزعزعة الاستقرار في الدول العربية، وإثارة الفتنة المذهبية، والتدخل في شؤونها الداخلية، وانتهاك كل القوانين والأعراف الدولية.
وتخطئ إيران مجدداً بادعاء الوصاية والولاية على مكون مذهبي في دول عربية وتحريضه بالأقوال وتزويده بالسلاح والمتفجرات ليكون جيباً موالياً لإيران يخدم أجندتها الشريرة.
الغضبة الإيرانية غير المبررة على تنفيذ السلطات السعودية أحكاماً قضائية بإعدام إرهابيين وخارجين على القانون بينهم نمر باقر الموصوف بأنه «علاّمة» وهو في حقيقته سبّاب شتّام لعّان لا يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، بل سياسي معمم يروج لإيران ونهجها الإيديولوجي المغلق، هذه الغضبة تعكس إحساس طهران بالفشل، وهي ترى أحد استثماراتها الإيديولوجية يتبدد في الهواء.
حتى تعود إيران دولة مقبولة في المجتمع الدولي عليها أن تنفتح على شعبها وتتخلى عن ازدواج الخطاب وانفصام الشخصية، وتحترم العهود والمواثيق والأعراف والقوانين الدولية، وأن ترعى مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى أو التآمر عليها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"