سِبَاع وضِبَاع

02:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
عثمان النمر

استخدمت الحيوانات منذ قديم الزمان في الحروب لأداء أعمال النقل والجر والهجوم السريع والمباغت، وسخرت حيوانات ضخمة منذ 1100 عام قبل الميلاد لتؤدي مهمة شبيهة بمهمة المدرعات اليوم، كما استخدم القائد القرطاجني الشهير هنيبعل الأفيال في حربه الشهيرة ضد الرومان، وعرفت غزوة أبرهة الأشرم الحبشي لهدم الكعبة باسم الفيل، واستخدم القائد الفارسي رستم الأفيال كقوة ضاربة في مقدمة جيشه الذي خاض معركة القادسية ضد المسلمين، ولم يتغير مسار المعركة لصالح المسلمين بقيادة القعقاع بن عمرو إلا بعد مجابهة الأفيال وقطع خرطوم كبيرها وقطع السيور الجلدية التي تثبت المنصات الخشبية على ظهورها، فذعرت واستدارت وكانت وبالاً على جيش الفرس.

أشهر من استخدم الحيوانات الضارية كأدوات هجوم في الحروب هو القائد المغولي الشهير هولاكو الذي كان يطلق الذئاب في مقدمة جيشه لافتراس أعدائه وبث الرعب في نفوسهم، وإجبارهم على الهروب.
إلى اليوم مازالت الجيوش في العالم تستخدم الحيوانات وتدربها على تنفيذ أعمال ومهام حربية، مثل الكلاب المدربة على وضع المتفجرات على عجلات الدبابات، والدلافين لزرع الألغام ومهام الإنقاذ، والفأر الغامبي العملاق لكشف الألغام المزروعة.
لايزال حلم بعض الدول أن تخلق جنوداً بطبيعة الوحوش، بخلط الجينات الوراثية للبشر بالحيوانات المفترسة، وقد عبرت عن هذا الحلم الذي يدور في فلك الخيال العلمي، سلسلة أفلام «بريديتور». إذا كان العلم قد فشل حتى الآن في خلق الجندي الوحش، لكنه لم يعدم أن يصنع الوحوش الطائرة «بريديتور» وهي الطائرات من دون طيار التي ترصد وتستطلع وتهاجم وتقتل.
الأساس في كل هذه الآلات الحيوية والميكانيكية هو الحفاظ على حياة الجندي البشري، أو إطلاق قوة الوحشية الآلية لكسب الحرب وقتل العدو بتمثل وتقليد الوحوش في خفة حركتها وسرعتها وتسللها وشراستها.
لم تترك «إسرائيل» أداة من أدوات الفتك وسلاحاً من أسلحة القتل الجماعي إلا واستخدمته في حربها الشرسة ضد الفلسطينيين، ولم توفر وسيلة إلا واستخدمتها من أجل إحالة حياة الفلسطينيين إلى جحيم، من الاحتلال المباشر للأرض ومصادرتها وبناء المستوطنات عليها، وتقطيع الأرض الفلسطينية، ونصب الحواجز وتشييد الجدر الأمنية والعنصرية وإغلاق الطرق، ومصادرة الثروات الطبيعية الفلسطينية من الأراضي الصالحة وموارد المياه، والتضييق على الفلسطيني في سبل كسبه للعيش، وإلحاق الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد «الإسرائيلي» وجعله تابعاً.
المستوطنات اليهودية على دين «إسرائيل»، فلا يكفي أنها شيدت على أراضي القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، بل إن المستوطنين يمارسون أحقر الأفعال لخنق وقتل ما تبقى من هذه القرى والبلدات، بحرمان أهلها من الانتفاع بأراضيهم الزراعية وثرواتهم الحيوانية وصناعاتهم التقليدية. وحولت هذه المستوطنات القرى الفلسطينية في محيطها إلى مكبات للنفايات والمياه العادمة فضلاً عن الاعتداء على الزروع وإتلاف المحاصيل وسرقة ثمرات البساتين.
آخر ما تفتقت عنه العقلية الشريرة للمستوطنين في جنين للإضرار بالفلسطينيين في القسم الشرقي من المدينة، إطلاق الضباع المتوحشة لترهيب سكانه، بيد أن الفلسطينيين كانوا سباعاً، وتسلحوا بالسكاكين والحجارة والعصي وطاردوا الحيوانات المفترسة وقتلوا اثنتين منها قبل أن تفر الأخرى وذيولها بين سيقانها الخلفية لواذاً إلى حيث أتت، لتفشل تجربة استخدام الضواري في الترهيب، مثلما فشلت تجربة إطلاق الخنازير البرية لاجتياح مزارع الفلسطينيين لإفساد الزروع والمحاصيل ومهاجمة الناس.
السباع بطبعها لا تحتمل الضباع ولا تتعايش معها، وفي الذاكرة صورة بديعة التقطتها كاميرا متيقظة يظهر فيها سبع فلسطيني يلاحق ضبعاً من جنود الاحتلال مدججاً بالسلاح وهو يفر لاهثاً من مواجهة مطارده المسلح بمجرد سكين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"