ظاهرة هجمات تنسف محادثات

01:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
عثمان النمر

الثابت في العلوم الطبيعية أن تكرار وتيرة الحدث بشكل منتظم يجعل منه ظاهرة إحصائية، يهتم المختصون ببحثها واستقصاء أسباب حدوثها للتوصل إلى نظرية تحكمها وربما اكتشاف القانون الذي يحتمها، ويخرج بها من افتراض العشوائية أو الصدفة البحتة.
المقاربة المماثلة في العلوم الاجتماعية والسياسية صعبة لأن المادة الخام التي يتم التعامل معها حيوية ومعقدة وليست جامدة تنطبق عليها صفات وخصائص الجمادات والقوانين الفيزيائية التي تخضع لها.
هناك ظاهرة ثابتة في العلاقات الباكستانية الهندية، فما أن تحاول القيادة السياسية في البلدين النوويين في جنوب آسيا تطبيع العلاقات بينهما وإخراجها من دائرة الأمني والاستخباراتي، حتى تخرج عناصر خفية وجماعات إرهابية من سكونها في محاولة لنسف هذه المحاولة حتى قبل أن تبدأ المحادثات الجدية.
نظرية الاحتمالات الرياضية قد تقدم تفسيراً بمفهومي الارتباط والتبعية بين المتغيرات، لكنها لا تثبت قانوناً هنا، بقدر ما تثبته نظرية الانعكاس الشرطي لبافلوف حيث الفعل يتبعه رد فعل مكتسب.
التقى رئيسا الوزراء في باكستان والهند على هامش قمة التغير المناخي في باريس في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واتفقا على استئناف الحوار الشامل بين البلدين. وعزز رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هذه الخطوة بمبادرة دبلوماسية ذات لمسة اجتماعية وإنسانية بزيارة منزل نظيره الباكستاني نواز شريف في لاهور في 25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي لمشاركة الأخير الاحتفال بعيد ميلاده وزفاف حفيدته، واتفق الزعيمان على أن يلتقي وزيرا خارجية البلدين في 15يناير / كانون الثاني الحالي لرسم خريطة طريق للمضي قدماً بالحوار الشامل.
كما كان متوقعاً شنت مجموعة مدججة بأسلحة ثقيلة هجوماً في الثاني من يناير على قاعدة عسكرية جوية هندية في باتانكوت بولاية البنجاب. وفي اليوم التالي شنت مجموعة أخرى مدججة بأسلحة ثقيلة محاولة للهجوم واقتحام القنصلية الهندية في مدينة مزار الشريف في شمال افغانستان، وتفجيرها وأعلنت المخابرات الهندية أنها تملك معلومات تفيد أن المجموعتين المهاجمتين تنتميان إلى جماعة محظورة، وأنهما قدمتا من باكستان، وخرجتا من بها والبور حيث يقيم مسعود أزهر الذي أطلق من السجون الهندية في صفقة لإنهاء اختطاف طائرة ركاب هندية في 1999.
ظاهرة الهجمات التي تنسف محادثات التطبيع بين باكستان والهند وافرة ومتكررة، ففي 10/7/2015 تعهد نواز شريف ومودي على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في اوفا على إعادة إطلاق عملية الحوار، واتفقا على لقاء مستشاري الأمن الوطني في البلدين في نيودلهي، وبعد أسبوع من هذا التعهد وقبل يوم من الموعد المقرر للمحادثات هاجم 3 مسلحين باصاً ومركز شرطة في غوردا سبور في ولاية البنجاب الهندية وقتلوا 7 هنود.
في 26/5/2014 زار شريف نيودلهي لحضور مراسم أداء حكومة مودي اليمين وقررا لقاء وزيري الخارجية في 18/8/2014 لرسم خريطة طريق للارتباط واستئناف المحادثات. وقبل الموعد المقرر بأيام قليلة التقى المفوض السامي الباكستاني في نيودلهي زعيماً انفصالياً من كشمير ما دفع الهند لإلغاء المحادثات.
فيما كان مسؤولو البلدين يدرسون استئناف الحوار شن عناصر «معسكر طيبة» سلسلة هجمات منسقة بإطلاق النار والتفجيرات في مومباي في 26/11/2008 استمرت 4 أيام واسفرت عن مصرع 164 هندياً وأثارت موجة استنكار دولية واسعة.
زار رئيس الوزراء الهندي الاسبق أتال بيهاري فاجبائي لاهور في 21/2/1999 بدعوة من شريف، ووقع الطرفان اتفاقية سلام تاريخية وبعد أقل من 3 أشهر أطاح قائد الجيش الجنرال برويز مشرف حكومة شريف في أعقاب الحرب المحدودة في ممر كارغيل الحدودي في الهيمالايا.
تحشد أحزاب سياسية وجماعات دينية الشارع الباكستاني ضد المحادثات، وتنفذ القوى الخفية والجماعات الإرهابية هجمات دامية منتقاة الأهداف في الهند لنسف الحوار.
كلاب الحرب كلما سمعت جرس الحوار والتطبيع بين الهند وباكستان سال لعابها للعق الدماء، وكشرت عن أنيابها استعداداً للهجوم واستدامة التوتر والعداء في جنوب آسيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"