صفقة تصفوية فاشلة!

03:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

عوني صادق

في إحدى المرات، كنت أقرأ ما جاء في أحد التسريبات، حول موعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاصيل «صفقة القرن». وفجأة، بينما أنا أقرأ الخبر، اجتاحتني رغبة شديدة في الضحك، ما لبثت أن انطلقت تلعلع مخترقة الزمان والمكان. سألني من كان يجلس معي عن السبب، فأجبته قائلاً: تذكرت نكتة سمعتها في زمن مضى.
أما السبب الحقيقي فكان عبارة تضمنها الخبر المسرب، جاء فيها قول منسوب إلى الرئيس الأمريكي، وهو أن خطة ترامب لتسوية الصراع في الشرق الأوسط «سترضي جميع الأطراف»! أليست مضحكة هذه العبارة ؟ بالتأكيد هي مضحكة، فلا توجد «صفقة» أياً كان واضعها للتوفيق بين خصمين، يمكن أن ترضيهما معاً، إلا إذا كان موضوع الصفقة لا يعود إلى أي منهما في الأصل، وعندها يكون ما يمكن أن يحصلا عليه، مهما كان، مكسباً! ويكون ذلك ترجمة حرفية لقاعدة (من لا يملك أعطى لمن لا يستحق).
بعد الإعلان عن الصفقة، في ذلك اليوم المشهود في البيت الأبيض، تبين للمتابعين أن ترامب تجاوز كثيراً حدود تلك «القاعدة» وأعطى كل شيء لمن لا يستحق! حدث ذلك لأن الوسيط لم يكن نزيهاً ولا محايداً، بل كان شريكاً لخصم لا حق له، ولأنه منحاز منذ البداية، وكان الهدف من تدخله تصفية «القضية» التي ادعى أنه يريد حل الصراع حولها وإحلال السلام في المنطقة، طبعاً بعد إعطاء كل ذي حق حقه!
فكيف رسم «الوسيط» النزيه طريق التصفية ؟
} أولاً، أعطى «إسرائيل»المستوطنات والأغوار ومعظم الضفة الغربية. وهكذا تكون حصتها قد بلغت 89% من مساحة فلسطين الكلية، وأبقى لأصحاب الأرض ول«غيتو الدولة الفلسطينية» فقط 11% من المساحة، فأثبت عدله ونزاهته وحياده!
} ثانياً، من الناحية العملية، قتل ما كان يسمى «حل الدولتين»، وقتل الدولة الفلسطينية المدعاة، عندما كبلها بمجموعة من الشروط، تنزع منها كل سلطة وتحيلها إلى أقل من بلدية تابعة بلا حول ولا قوة.
} ثالثاً، جعل الدولة منزوعة السلاح، وللجيش «الإسرائيلي» كامل السيطرة على المعابر والحدود، براً وجواً وبحراً، إضافة إلى وجوب اعترافها بالدولة اليهودية وقانون القومية... إلخ،
} رابعاً، شطبت الصفقة حق عودة اللاجئين، وهذا هو جوهر القضية، كما ألغت كل وأية مطالبات للشعب الفلسطيني، وكل ما أعطته وما صدر عن «الشرعية الدولية» من قرارات ذات صلة بهذا الخصوص.
بعد ذلك يقف رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس منظمة التحرير، الرئيس محمود عباس من على أهم منبر دولي ويعلن عن استعداده لاستئناف التفاوض فوراً، بحجة أننا نريد السلام، وأننا لسنا عدميين، وطبعاً بحجة مواجهة وإفشال الصفقة! لكن لم يعد هناك من الشعب الفلسطيني من لا يزال يجهل السبيل المضمون المؤدي لإفشال الصفقة التصفوية، وهو إنهاء الانقسام، أو على الأقل اتخاذ موقف موحد مشترك وجاد إزاء الصفقة، وإنهاء العمل ب(اتفاق أوسلو) وبنوده، وأولها بند «التنسيق الأمني». لذلك قلنا، وقال كثيرون، إن مواجهة الصفقة وإفشالها، مثل مواجهة الاستيطان، مثل مواجهة مصادرة الأراضي، مثل مواجهة هدم البيوت، مثل مواجهة الإرهاب اليهودي، مثل مواجهة كل السياسات العنصرية والاحتلالية والقمعية التي أقدمت وتقدم عليها حكومات الكيان الغاصب. إن كل ذلك في متناول الفلسطيني، وحتى قبل أن يثبت عدم جدوى الاعتماد على «المجتمع الدولي»، وقبل أن يثبت عجز وتواطؤ «الشرعية الدولية»، كان ويبقى الموقف والفعل الفلسطينيان هما أولاً أداة الفلسطيني وسبيله إلى استرداد كرامته وحقوقه في وطنه فلسطين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"