في مواجهة «الصفقة»

03:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
عوني صادق

منذ أن بدأ الحديث يدور حول ما يُسمى ب«صفقة القرن»، توالت الأفكار التي فُهم منها، أنها تتوسل السبل التي يمكن عبرها إفشال «الصفقة»؛ لكن الشكل الذي قدم به صاحب الصفقة صفقته، كما المضمون الذي جاء صريحاً واضحاً ليس فيه أي لبس أو غموض على الفهم، كل ذلك تكفل بأن يكون السبيل إلى إفشال الصفقة ماثلاً للعيان لا يحتاج جهداً لإدراكه.
بداية نؤكد أن الصفقة لا تزيد على كونها خطة (صهيو-أمريكية)؛ لتصفية القضية الفلسطينية، وأن هناك سبيلاً وحيداً لمواجهتها؛ يتمثل في وحدة الموقف الفلسطيني، الرافض ل«الصفقة»، وإنهاء العمل ب(اتفاق أوسلو) وبنوده، وفي المقدمة منه «التنسيق الأمني» على طريق انتفاضة ثالثة شاملة.
اليوم، وبعد مرور أسابيع على الإعلان، والتوضيحات التي أعطيت حول تفاصيل الخطة، والرفض الفلسطيني الشامل لها، أتساءل مع المواطن الفلسطيني في أماكن تواجده: ماذا تم، بعد أن رفض الصفقة أكثر من 94% من الشعب الفلسطيني، أفراداً، ومنظمات، وهيئات اعتبارية فلسطينية، وفصائل مقاومة؟
بالنسبة للموقف الفلسطيني الموحد الرافض ل«الصفقة»، يمكن القول: إن البيانات التي صدرت عن التنظيمات والفصائل والهيئات الرسمية وشبه الرسمية والاتحادات الشعبية والمهنية، وأيضاً الوقفات الاحتجاجية والمواجهات التي وقعت بين المحتجين وقوات الأمن والاحتلال، والتي شملت معظم المدن الفلسطينية، عكست وعبرت عن الموقف الشعبي الموحد الرافض ل«الصفقة»، بما يوفر الشرط الأول على طريقة مواجهة «الصفقة» التصفوية. لكن حتى يأخذ هذا الموقف بعده الشعبي الحقيقي، كان لا بد - كما يرى كثيرون- أن تتخذ خطوات جادة؛ لإنهاء «الانقسام الفلسطيني». كان هذا يقتضي تحركاً سريعاً وجاداً من الحركتين المسؤولتين عن «الانقسام» الحاصل منذ سنوات وهما: (فتح و حماس). وكان قد أعلن عن وفد من حركة «فتح» كان يفترض أن يتوجه إلى غزة لهذا الغرض؛ لكنه تعطل من دون أي سبب معلن أو معروف، ولم نسمع عن أية خطوات أو إجراءات اتخذت بعد ذلك في هذا السبيل.
أما بالنسبة لإنهاء العمل ب(اتفاق أوسلو)، فبعد ما جاء في كلمة الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة عن الموقف من الولايات المتحدة وإدارة الرئيس ترامب، والموقف من «الصفقة» وحول العلاقات مع «إسرائيل»، لم تتخذ خطوة واحدة تحول «التهديدات» إلى واقع سياسي، كما حدث في كل مرة سبقت وأطلق الرئيس عباس مثل هذه التهديدات، ولا حتى عندما اتخذ المجلس المركزي لمنظمة التحرير قرارات مماثلة قبل أشهر. بكلمات أخرى، لم يقع جديد يتجاوز «المواقف اللفظية» القديمة بالنسبة للشرط الثاني الذي تتطلبه المواجهة الجادة ل«الصفقة» الأمريكية التصفوية.
هذه النتيجة غير المشجعة، في الجانب الفلسطيني، تضع في المقابل ما يجري في الجانب «الإسرائيلي» وبشكل يظهر الفرق بين من يقول لينفذ، ومن يقول ليكتفي بالقول، لا ينفذ، فمن جهة لم تتوقف عمليات توسيع المستوطنات القديمة، ولا توقفت إقامة المستوطنات الجديدة؛ بل ولم تتوقف عمليات مصادرة الأراضي المخصصة للاستيطان، ولم تتوقف جرافات هدم البيوت وتهجير السكان، ولا يكاد بنيامين نتنياهو يفتح فمه إلا ليعلن عن مصادقة لبناء مستوطنة جديدة، أو لإصدار قرار بضم أراض جديدة، والحقيقة ليس في الأمر ما يدعو إلى الاستغراب، فالرجل يتابع برنامجاً وُضِع ونفذت بعض مراحله قبل أن تكون «صفقة القرن» فكرة في رأس ترامب ومعاونيه.
لقد ثبت عقم أسلوب المفاوضات منذ زمن طويل؛ لكن من لا يمتلك غيره لا يستطيع الاستعاضة عنه، ويبقى «إنهاء الانقسام، وإنهاء العمل ب(اتفاق أوسلو) و«التنسيق الأمني» طريقاً إجبارياً وابتدائياً لمن يريد حقاً أن يواجه «صفقة القرن»، ومن يريد حقاً أن يفشلها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"