نحو ميثاق عالمي للأخلاق

03:19 صباحا
قراءة دقيقتين
فتح العليم الفكي

ما من شك أن العالم الذي يعيش الآن محنة تفشي وباء كورونا المستجد «كوفيد 19» الذي ازداد ضراوة ووحشية في الأسبوعين الأخيرين وحصد آلاف الأنفس البريئة في كل قارات العالم، مقبل على تغيرات جذرية على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
اتفق في ذلك نخبة من المراقبين والمفكرين والمحللين السياسيين على رأسهم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والأشهر هنري كيسنجر، غير أنهم لم يحددوا موعداً لهذا التغيير، قريب هو أم سيستغرق سنوات وسنوات، بيد أنه وقبل حدوث أي تغيير في النظام العالمي تبدو الدعوة القديمة التي طرحها عالم اللاهوت السويسري هانس كينج في كتابه «مشروع مقاييس عالمية للأخلاق» الذي نشره في العام 1990 وألحقه في العام 1991 بمبادرته للحوار بين الأديان جديرة بالوقوف عندها لنمعن فيها النظر كثيراً، إذ ما جدوى قيام نظام جديد في عالم بلا أخلاق؟
لقد جددت أزمة كورونا الحاجة إلى هذا الميثاق بتعريتها للنظام الصحي في كثير من الدول خاصة تلك التي اتخذت قرارات كانت وبالاً على نظامها الصحي، فبدلاً من المحافظة على الإصلاحات التي أدخلت على هذا النظام لمصلحة الطبقات الفقيرة والمعدمة وعدم المساس بها، بغض النظر عن الحزب الذي يحكم، غير أن التنافس السياسي غير الشريف بدد كل ما تم إنجازه، لتحقيق انتصار سياسي وقتي سرعان ما فضحه تفشي الوباء.
أما على مستوى المؤسسات الأممية، فتبدو أزمة الأخلاق أكبر وأعمق ويتبدى هذا في الاتهامات بعدم الشفافية التي وجهت لمنظمة الصحة العالمية لإخفاقها وتخبطها في التعريف بالفيروس وطرق انتقاله بين البشر، علاوة على تأخرها في إعلان الوباء كجائحة دولية إلا بعد تسجيل 118 ألف إصابة بالفيروس في 114 بلداً.
لقد أعادت هذه الإخفاقات إلى الأذهان الأخطاء التي ارتكبتها هذه المنظمة في مكافحة وباء «إيبولا» في إفريقيا والانتقادات العنيفة التي وجهت لها آنذاك ولكن يبدو أن المنظمة اعتادت على النقد منذ نشأتها في العام 1948 بسبب هيكلها التنظيمي المترهل وعدم استقلاليتها عن الدول المانحة.
هناك أيضاً مجلس الأمن الدولي الذي سيشهد معركة حامية الوطيس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بعد انتهاء الجائحة، لذلك فإن إصلاح هذا المجلس بات ضرورة ملحة بحيث تتوسع عضويته الدائمة لتشمل البلدان النامية ويكون تمثيله تمثيلاً حقيقياً لكل القارات وحتى يصبح هذا المجلس أكثر إنصافاً للشعوب التي تشعر دائماً بأن قراراته لا تمثلها، فليس من العدل ألا تحصل قارة مثل إفريقيا أو الدول العربية والإسلامية على مقعد دائم رغم الثقل السكاني والأهمية الجغرافية التي تمثلها.
صفوة القول، إن جائحة كورونا ستكون خطاً فاصلاً بين عهدين، عهد انقضى وعهد أطل، وبطبيعة الحال تتعدد الأسئلة والتكهنات حول خارطة العالم الجديدة وشكل العلاقات الدولية وعن موقع دولنا العربية والإسلامية في تلك الخارطة وهل ستكون ذات تأثير أم على هامش النظام العالمي الجديد الذي سيتشكل رغم أنها أبلت بلاء حسناً في الأزمة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"