البرّ ليس رسالة نصيّة

04:44 صباحا
قراءة دقيقتين
شيخة الجابري

أذكر ذاك الشاب الذي كان يتصل بالبرنامج الصباحي المفتوح، بإحدى إذاعاتنا المحلية، ويُهدي تحياته الصباحية لوالدته، ثم أغنية شعبية، وأذكر أيضاً أنني علّقتُ على هذا التصرف حينها فقلت: إن كنتَ في المنزل فلمَ لم تُعرّج على ست الحبايب وتُقبِّل جبينها وتسعد بدعائها الصباحي قبل خروجك للعمل؟ هذا أفضل بكثير من أن تسلّم عليها عبر أثير الإذاعة، وأجره عند الله أعظم.

المتعاملون مع «سناب شات» وصحبه، يفعلون ذات الفعل الذي قام به ذاك الشاب، ولكن بشكلٍ تقنيٍّ أكثر، كأن ينشر الشباب والشابات الأدعية التي لا تعترف بالوقت صباحاً ومساء، يسألون الله فيها أن يحفظ والديهم، ويخصصون رسائل للأب، وأخرى للأم، وينشرون آيات من الذكر الحكيم، وأحياناً بجميل القول من النثر والشعر والأقوال والأمثال، ثم يضعون رسماً لقلب أحمر كبير، دلالة على المحبة الخالصة والتأثر والاحترام.

يشبههم في ذلك، من يتعاملون مع «واتس آب»، الذين تطول أدعيتهم ورسائلهم على اختلافها، السعيدة، والحزينة، والكئيبة، وعلى الوالدين أن يتابعا هذا الحب التقني على مدار الساعة، حتى إن لم يعرفا دلالات ما كُتب، أو لم يستوعبا معنى الرسومات الحبية التي تزين المشاعر الجافة، والكلمات المشاعة للعامة.

لقد تحولت العلاقة بين الأبناء ووالديهم إلى أشكال مظهرية من «اللهم احفظ أمي ويسر أمرها ولا تحرمني منها» و«اللهم يسر لوالدي كل صعب وارزقني بِرّه»، وكثير جداً غير ذلك، مما لا تسعه المساحة، كأمثلة على الحالة التي وصلت إليها علاقاتنا الاجتماعية، بل أجمل العلاقات وأحبها وأقربها إلينا.

لا يعلم ذاك الفتى أن والديه لا يريدان رسائل جافة ميتة عبر شاشات هواتف، كما لا يحتاجان دعاء مكرراً تتداوله الكرة الأرضية، بل هم في حاجة إلى احتواء وشعور صادق ومحبة خالصة واحترام دائم، لا يريد الوالد من ولده أن يغمره بكل ذاك العطف البارد، ولا تريد الأم تلك العاطفة الجياشة البليدة التي تأتي من خلال رسائل «واتسابية»، وإنما تحتاج إلى كلمة طيبة، ليس فيها نهر أو قهر، كلمة تجعلها تقول لك وأنت خارج من منزلك لتبعث لها رسالة باردة «حفظك الله يا ولدي ويا ابنتي وبارك لكما في يومكما وحفظكما وسخَّر لكما كل خير».

هذا ما يريده والدك ووالدتك، فعاملوهما كما تعاملونهما في الرسائل الإلكترونية، واجعلوها رسائل حيّة عامرة بالحب الحقيقي الصادق لا أكثر، يبارك فيكم الله ويفتح لكم أبواب الخير والسعادة الدائمة، ذلك أن البر ليس رسالة نصية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"