هل يدفع الأطفال فـــاتـورة كوفيــد-19؟

00:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
آدم منتر *

تميل الكوارث الطبيعية إلى أن تكون ضارة، وبشكل خاص بصحة الأطفال. فهي تعطل الخدمات الطبية الأساسية التي تعتمد عليها الأمهات والأطفال الصغار.

شعر العديد من الآباء بإحساس عميق بالارتياح عندما أكدت التحاليل الطبية أن كوفيد 19 نادراً ما تظهر أعراضه على الأطفال، أي أنهم في مأمن من أخطاره الصحية. لكن هذا لا يعني أنهم في مأمن تام من تبعات انتشار هذا الوباء العالمي.

المؤكد أن أولياء الأمور على دراية بالمخاطر اليومية لتفشي الوباء، بعد إغلاق الملاعب، والحد من التفاعل الاجتماعي، وقضاء الأوقات الطويلة على الشاشات المغرية جداً للأطفال. ولكن من المرجح أن تتأتى أخطر الآثار المترتبة على هذه الأزمة من مجالين: الصحة والتعليم.

تميل الكوارث الطبيعية إلى أن تكون ضارة بشكل خاص بصحة الأطفال. فهي تعطل الخدمات الطبية الأساسية التي تعتمد عليها الأمهات والأطفال الصغار، وعادة ما يتم تحويل الموارد الأساسية إلى متطلبات أكثر إلحاحاً. فقد تعني التدابير، التي تهدف إلى حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية والسكان بشكل عام، أن الأطباء غير قادرين أو غير راغبين في الاتصال بالمرضى، سواء لإجراء فحص سريري أو تقديم جرعة علاج.

بالنسبة للأطفال، يمكن أن يكون لذلك عواقب طويلة الأمد. فقد شهدت حالات الولادة المؤسسية للأطفال عند ذروة تفشي وباء الإيبولا في غرب إفريقيا عام 2014، انخفاضاً بنسبة 37 % مقارنة مع العام السابق، وهي خطوة مهمة عند الوضع للحد من وفيات الأمهات. كما انخفضت استشارات ما قبل الولادة، التي ثبت أنها تحسن صحة الأطفال الجسدية والعقلية على المدى الطويل بنسبة 40 %.

والأسوأ في ذلك، انخفاض معدلات التطعيم بشكل حاد. ففي عام 2013، قبل تفشي المرض، تم تلقيح 73% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عام واحد في ليبيريا. ثم انخفض هذا الرقم إلى 36%. وانخفضت معدلات التطعيم ضد الحصبة وحدها بنسبة 45%.

وأسفر ذلك الخلل عن فجوة مناعة كبيرة سمحت بانتشار المرض بسهولة أكبر، حيث استمرت عواقبها في ما بعد عندما تم الكشف بين عامي 2016 و2017، عن زيادة بنسبة 49% في حالات الإصابة بالحصبة في ليبيريا حتى بلغ عددها 2954 حالة لدى الأطفال دون سن الخامسة.

وفي جميع الاحتمالات، سوف يترك الوباء الحالي آثاراً مماثلة. فقد دعت منظمة الصحة العالمية في أواخر مارس/‏آذار الماضي إلى تعليق برامج التطعيم الجماعي الوقائية في جميع أنحاء العالم التزاماً بتعليمات التباعد والعزل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن هذا قد يكون القرار الأصوب في الوقت الراهن، إلا أنه حتى خبراء الصحة العامة الذين أيدوا القرار أقروا بأنه سيسهم في زيادة الأمراض التي قد تستمر لسنوات.

هناك مصدر قلق خطير آخر للآباء والعالم وهو أن نحو 1.4 مليار طفل يعيشون حالياً في مناطق أغلقت فيها المدارس كلياً أو جزئياً، من جنوب كاليفورنيا إلى ريف الهند. معظم هؤلاء الأطفال ليس لديهم فكرة عن موعد عودتهم إلى مدارسهم. وعندما أغلقت المدارس في ليبيريا وغينيا وسيراليون للحد من انتشار فيروس الإيبولا، فقد الطلاب نحو 1848 ساعة تعليم.

وتشير الأبحاث إلى أن مثل هذا الغياب الطويل عن المدرسة يمكن أن يكون ضاراً بالتعليم والنمو، ويضر بالطلاب ذوي الدخل المنخفض بشكل خاص.

ويرى الكثير من أولياء الأمور المحبطين حالياً أن برامج التعليم عن بُعد غير فعالة حتى في الظروف المثالية. أما في الأسر الفقيرة، حيث تنخفض فرص عمل الآباء من المنزل، فيمكن أن تكون التحديات أشد. وفي المناطق النائية، تتعرض الفتيات لخطر عدم استئناف تعليمهن بسبب زيادة الفقر والمسؤوليات المنزلية وارتفاع معدلات الحمل والولادة أثناء تفشي الوباء. وحتى بعد فتح المدارس مجدداً، قد يشكل الفيروس تهديداً يستمر أشهراً أو ربما سنوات.

لا شك في أن تخفيف كل هذه الآثار الضارة يبقى تحدياً كبيراً. فبعد وباء الإيبولا، ساهمت الوكالات والحكومات في جميع أنحاء العالم في برنامج تطعيم جديد بمجرد أن أصبح ذلك آمناً. ومثل هذا التحرك لن يكون سهلاً أو بلا تكاليف إذا نظرنا إليه من منظور عالمي. ومع ذلك، لا تزال منظمة الصحة العالمية، على الرغم من مشاكلها الأخيرة، هي المنظمة المناسبة لتنسيق مثل هذه الجهود، ويجب أن يبدأ التخطيط والتمويل على الفور. كما يجب على الحكومات أن تعطي الأولوية لخدمات الأمهات ما قبل الولادة أثناء تفشي الوباء، وأن تسرع جهود إعادة فتح المدارس بعناية، باعتبارها حاضنات يمكن فيها مراقبة صحة الطفل، وتقديم الرعاية الأساسية لهم.

وينبغي على المدارس أن تسعى جاهدة للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الاستمرارية والتواصل مع الطلاب. والخطوة الأولى هنا بذل جهد متضافر لتحفيز المعلمين والاحتفاظ بهم أثناء الأزمة. وهذا يشكل المفتاح لإعادة فتح المدارس بسرعة، بحيث توفر بعض الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه للطلاب الذين فقدوا إحساسهم بالروتين اليومي أو حتى الأمان. وأخيراً، يجب أن يبدأ التخطيط فوراً لتنفيذ التقييمات والاختبارات وتنفيذ برامج المناهج المختصرة المصممة لمساعدة الطلاب على اللحاق بالمدرسة ومراجعة ما كانوا يتعلمونه قبل الوباء.

خطوات متواضعة مثل هذه لن تؤدي إلى علاج كوفيد-19، أو توفير لقاح له، لكنها قد تساعد في ضمان ألا يكون تأثيره في الأجيال القادمة مدمراً.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"