اللهجات العاميّة بعين جيوسياسيّة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تستطيع استخدام حسّ الدعابة لديك لمحاولة فهم هذه المخمصة كاريكاتوريّاً؟ حين تفتقر وسائط إعلامية عربية إلى الوعي الثقافي والتربوي، وبالتالي السياسي، فما هي الجهات الكفيلة بالاضطلاع بهذه الأمانة؟ ستعجب، لأنك لا تستوعب حدوث ذلك في الإعلام. للتذكير: الجذر الثلاثي «ع ل م» يحتل مكانة متميزة بين سائر الجذور، ففيه العلم والتعليم والإعلام، وزد عليها المعلوماتية.

المحور تفشّي اللهجات العامية في الكثير من الفضائيات العربية. ليس ثمّة برهان على أنها محقّة في توهّم حرّيتها في ذلك، لأنه لا يوجد دليل على أن المشرفين عليها درسوا الأمر مليّاً، فخلصوا إلى أن الشعوب العربية لا تفهم الفصحى التي هي واحدة في كل البلاد العربية، أو أن كل شعب يريد أن يكتفي بلهجته وينعزل بها عن بقية العرب، أو أن الوحدة العربية أثبتت أنها مشروع غير مُجدٍ، فالجامعة العربية مثال كالنهار لا يحتاج إلى دليل. قد تجد هذه الآراء مبرّراً لسلوكها، لو كانت تحصل على مواردها المالية، من غير ميزانيات دولها، من القوى الأجنبية المستفيدة من التفتيت والتشتيت، مثلاً.

الأسئلة المدمّرة للأعصاب، هي في منتهى البساطة: كيف يستطيع مواطنو دول مجلس التعاون فهم اللهجات المغاربية بيسر؟ بماذا نفسر عدم وجود ولو فضائية مصرية واحدة، تعتمد الفصحى لغة إعلام ووسيلة مخاطبة؟ ميزة اللهجة المصرية هي كونها مفهومةً لدى كل العرب، لأنها كانت منذ أوائل القرن العشرين، خصوصاً، لغة الفنون، إضافة إلى الريادة الثقافية فكراً وأدباً ونقداً. للأسف، انحسرت تلك الريادة وانخفض منسوبها. الأدهى هو أن العالم العربي لا يلوح مكترثاً لضرورة وجود مركز جاذبية عربي، بينما يعاني العرب انعدام أفكار رائدة تناسب العصر، وتلتقي حولها المشارب والمصالح المختلفة، وأحياناً المتناقضة.

أهمية الفصحى في الإعلام في جوانبها السياسية، هي أنها تشكل منظومة قيم مشتركة، بعكس اللهجات، التي يصبح فيها العربي في نظر العربي: هو الآخر. وهذا «الآخر» يزداد بعداً بمرور الزمن، لأن الفصحى ستكون مهمّشة بعد بضعة عقود، ثم ستُقصى في بعض أقاليم العالم العربي، لتحل محلّها اللغات الإثنية، وسيصير الحديث عن الهوية كأنه معلومات عن أقوام أخرى.

لزوم ما يلزم: النتيجة الطبيّة: على من لا يرى العواقب الجيوسياسية، أن يراجع طبيب عيون لأن بصره ضعُف، وطبيب علوم عصبية لأنه فقد البصيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3k9t23d7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"