فهل هذه بداية انتعاش اقتصادي طويل الأمد أم هو فجر كاذب؟ هناك مقولات تحظى بالصدقية على الجانبين في هذا الموضوع . وقد خمنت على هذه الصفحات قبل عام بأن الأزمة ستنتهي عندما تستقر أسعار المنازل في الولايات المتحدة . ويبدو أن ذلك التخمين لايزال سليماً . فهذه الأسعار تحدد الى حد كبير كمية حقوق الملكية في المنازل - الضمان الاضافي النهائي لديون رهون المنازل الأمريكية البالغة 11 تريليون دولار والتي يوجد جزء كبير منها محجوزاً في شكل أوراق مالية بضمان أصول خارج الولايات المتحدة . ويقلل الأسعار حالياً التجاوز الكبير في المعروض من المنازل الخالية المتوفرة للبيع . وبسبب الانخفاض الحاد في عمليات إكمال المنازل مؤخراً، جرى تسييل هذا التجاوز على نحو جاد، الأمر الذي يوحي بأن الأسعار يمكن أن تبدأ بالاستقرار خلال الشهور المقبلة على الرغم من أنها يمكن أن تنخفض في عام 2010 .
وبالإضافة الى ذلك، لاتزال هناك حاجة لتمويل خسائر هائلة غير معترف بها منيت بها البنوك الأمريكية . فإن تحقيق استقرار أسعار المنازل أو حدوث زيادة أخرى في قيمة الأسهم المستحدثة هو الذي سيعالج هذا العائق الذي يحول دون الانتعاش .
وحتى الآن ارتفعت اسواق الأسهم العالمية بوتيرة سريعة الى حد يصعب معه تصور إمكانية استمرار ارتفاعها أكثر من ذلك . ولكن ماذا لو انها واصلت الارتفاع بعد تصحيح؟ أن ذلك سيعزز الميزانيات العمومية العالمية بكميات كبيرة من قيمة الأسهم وسيزود البنوك برأس المال الجديد الذي سيسمح لها بزيادة الاقراض .
وسيؤدي ارتفاع أسعار الأسهم أيضاً الى زيادة ثروات وانفاق الأسر وستؤدي القيمة السوقية المرتفعة لأصول الشركات القائمة مقارنة بتكلفة استبدالها الى حث استثمارات رأسمالية جديدة . وسينخفض الرفع على نحو جوهري .
وإنني أقر بأنني أمنح أسعار الأسهم دوراً اقتصادياً أكبر بكثير مما تفرضه الحكمة التقليدية . ومن وجهة نظري، فإنها ليست مجرد مؤشر بارز مهم لنشاط الأعمال العالمية وإنما هي مساهم رئيسي في ذلك النشاط وتعمل بشكل أساسي من خلال الميزانيات العمومية .
وستتعرض فرضيتي للاختبار خلال السنة المقبلة . فإذا تراجعت أسعار الأسهم الى مستوياتها المتدنية التي شهدناها في بداية الربيع أو الى مستويات أدنى منها، فسأتوقع اختفاء دلائل التحسن التي لوحظت خلال الأسابيع القليلة الماضية . ومن المؤكد أن أسعار الأسهم تأثرت بالتقلبات الاقتصادية العادية . ولكن، وكما لاحظت في مارس/آذار، فإن القوة الدافعة المهمة لأسعار الأسهم هي الميل البشري الفطري للتأرجح بين الشعور بالنشاط والخوف والذي يتأثر بشدة بالأحداث الاقتصادية، وله حياته الخاصة به . ومن خلال تجربتي، فإن مثل تلك الأحداث لا تكون في كثير من الأحيان توقعات لنشاط الأعمال مستقبلاً وإنما هي أسباب رئيسة لها .
ولكي يتم السيناريو أعلاه حتى نهايته، يجب مواجهة أخطار الانكماش قصيرة الأجل وأخطار التضخم طويلة الأجل والقضاء عليها . وان قدرة إضافية تخفض مؤقتاً الأسعار العالمية ولكنني أرى في التضخم التحدي الأكبر في المستقبل . وإذا منعت الضغوط السياسية المصارف المركزية من السيطرة على ميزانياتها العمومية المتضخمة بالطريقة المطلوبة، فإن التحليل الاحصائي يوحي بحدوث التضخم بحلول عام ،2012 في حال توقعت الأسواق مبكراً حدوث فترة طويلة من عرض أموال مرتفع، ويرتبط تضخم الأسعار السنوي في الولايات المتحدة بشكل كبير بالتغييرات السنوية في عرض الأموال في كل وحدة قدرة على حدة .
ويمثل التضخم قلقاً خاصاً على مدى العقد المقبل في ضوء ضخامة الدين الحكومي الذي يوشك تفريغه على الأسواق المالية العالمية، وأن الحاجة لتمويل عجوزات مالية هائلة للغاية خلال السنوات المقبلة يمكن أن تؤدي الى ضغط سياسي على المصارف المركزية لطباعة أموال من أجل شراء الكثير من الديون الصادرة حديثاً .
ان مجلس الاحتياطي الفيدرالي - عندما يتصور أن معدل البطالة سينخفض - سيبدأ افتراضاً بالسماح بتأخر تسجيل أصوله قصيرة الأجل، وإما باع سنداته وسنداته الاذنية وأوراقه المالية المضمونة بأصول التي حصل عليها مؤخراً أو - في حال اتضح أن ذلك مسبب لاضطرابات بالغة في الأسواق - أصدر بموافقة من الكونجرس ديناً فيدرالياً لمواجهة ما تبقى من توسيعه الهائل لقاعدته النقدية .
إن الولايات المتحدة تواجه خيار أن تخفض تدريجياً عجوزات موازنتها وقاعدتها النقدية فور تبدد مخاطر الانكماش الراهنة، أو أن تعد العدة لزيادة محتملة في معدل التضخم .
وحتى في حال عدم وجود خطر التضخم، فإن هناك خطراً محتملاً كامناً في السياسة المالية الأمريكية الحالية وهو: زيادة كبرى في تمويل الاقتصاد الأمريكي من خلال دين القطاع العام .
وإن مساراً كهذا للسياسة المالية يعتبر وصفة للتخصيص السياسي لرأس المال وتقويضاً لعملية التدمير الخلاق، أي منافسة سوق القطاع الخاص الضرورية لرفع مستويات المعيشة .
وقد تعرضت سمعة هذا النموذج لتشويه بالغ بسبب الأحداث الأخيرة . وإن التحسينات في الرقابة والاشراف الماليين - ولا سيما في مجالات كفاية رأس المال - ضرورية .
وعموماً، ومن أجل أفضل فرصة للنمو الاقتصادي العالمي يجب أن نستمر في الاعتماد على قوى السوق الخاصة لتخصيص رأس المال والموارد الأخرى . وقد جرّب بديل تخصيص الموارد السياسي، وفشلت التجربة .