عادي

هنري ميللر.. الكتب الضرورية للمبدع أقل من 100

01:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود

الكتب في حياة كثير من الأدباء والمؤلفين تعد عالمهم الذي يعيشون فيه، ربما يطلقون عليه تعبير العالم الموازي؛ لكنه، في واقع الأمر، حياتهم الحقيقية التي يعيشونها ويرون العالم من خلالها، فالكتاب الحقيقي له سطوته الكبيرة على الإنسان، وقد مثلت الكثير من المؤلفات لكتّاب عالميين، مرجعية عظيمة للقرّاء، تعايشوا مع قصصها وفصولها، وتعرفوا إلى شخوصها فلم تبارح ذاكرتهم، وكأنها أحداث وشخصيات حقيقية.
في كتاب «الكتب في حياتي» للمؤلف والأديب الأمريكي هنري ميللر (1891 1980)، والصادر عن دار «المدى للثقافة والفنون»، بترجمة أسامة منزلجي، يطوف بنا ميللر في عوالم الكتب التي قرأها، ويعرفنا كيف أن هذه المؤلفات قد شكلت وجوده ونظرته إلى الحياة، مستعرضاً أهم الكتب التي كان لها تأثيرها الكبير في طفولته وحياته.
وهو هنا ينطلق من كونه قارئاً، بالتالي فإن الكتاب، إضافة لكونه عرض لمجموعة من الكتب، ينتمي إلى أدب السيرة الذاتية؛ حيث يستعرض، في سياق تناوله للكتب في حياة المؤلف، منعطفات مهمة في تاريخ ميللر، ويطوف في جوانب من سيرته الشخصية.
يرى ميللر أن الهدف من الكتاب هو أن يروي قصة حياته، عن طريق الحديث عن المؤلفات التي اطلع عليها، وهو استعراض لا يأخذ الطابع النقدي، كما يرى أن الكتب رغم كثرتها على مدى التاريخ إلا أن الفريد منها يعد قليلاً ونادراً، وأنه على المرء أن يقرأ قليلاً، لا أن يصبح «دودة كتب»، أن يقرأ أقل فأقل، وليس أكثر فأكثر، فهو يشير إلى أنه قد اطلع على مئة كتاب، وهذا الرقم يراه أكثر مما ينبغي أن يقرأه.
يستخدم ميللر تعبيراً بديعاً في وصف بعض الكتب؛ إذ يصفها ب«الثورية»، أي تلك المؤلفات المُلهَمة، وهي نادرة طبعاً، والمحظوظ من يصادف حفنة منها في حياته، فهذه النوعية من الكتب لا تغزو الجمهور العام، ويرى المؤلف أن على المرء الذي يسعى نحو المعرفة والحكمة أن يتوجه صوب المنبع، والكاتب لا يريد بالمنبع هنا الفيلسوف أو الأستاذ أو المعلم؛ بل الحياة ذاتها، أي تجربتها المباشرة، والأمر نفسه ينطبق على الفن؛ حيث يمكن الاستغناء عن الأساتذة.
يختار ميللر الطريق الأصعب، ويتخذ موقفاً نقدياً من الاستسهال السائد، وينتقد تلك النظرة عن الثقافة القائمة على فكرة: «أن علينا أن نتعلم السباحة في اليابسة قبل النزول إلى الماء»، مشيراً إلى أن ذلك ينطبق على مجال الفنون وامتهان المعرفة، فالناس لا زالوا يتعلمون الإبداع بدراسة أعمال الآخرين، وحيث لا زال فن الكتابة يُعلم في المدارس بدل أن يتم ذلك وسط الناس، وهذا يؤثر كثيراً في صناعة المبدع، وهذه الطريقة في التفكير التعليمي، أنتجت مهندسين أفضل مما أنتجت كتاباً، وخبراء في الصناعة أفضل من الرسامين.
يبرز الكتاب لنا بشكل أساسي أن ميللر ينتمي إلى عالم هذه الكتب، إلى طفولته التي شكلها نوع معين من القراءة، فهي توثق لمرحلة عمرية بريئة وجميلة؛ حيث يوضح الفروق بين القراءة في مرحلة الطفولة ومرحلة النضج، قائلاً: «كتب الأطفال لها التأثير الأشد علينا -أعني بها الحكايات الخرافية، والأساطير التاريخية، والحكايات الرمزية- فعبرها تتغذى ملكة الخيال، ومع تقدمنا في السن، يشح الخيال والمخيلة باطراد، وننجرف بحركة رتيبة باستمرار.. يصبح العقل كسولاً لدرجة أنه يتطلب الأمر كتاباً استثنائياً حقاً؛ لكي ينتزع أحدنا من حالة اللامبالاة أو فتور الشعور».
زيادة على ذلك، هناك أمر يفرق بين القراءة التي نمت في عهد الطفولة والقراءة اللاحقة، وهو غياب الانتقاء، الكتب التي يقوم المرء بقراءتها وهو طفل مفروضة عليه، ومحظوظ الطفل الذي يمتلك والدين حكيمين يستطيعان إرشاده قليلاً.
يعرج ميللر أيضاً على تلك المؤلفات «الثورية» التي كان لها التأثير المباشر عليه؛ لما خلقته في نفسه من إلهام كبير، وتحضر هنا أسماء عظيمة لمؤلفين شغلوا الناس، منهم جيمس جويس، هرمان هيسه، دوس باسوس، مارسيل بروست، دستويفسكي، كما يرسم لنا المؤلف صورة مشهدية حية لطريقة تعامله مع الكتب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"