أوكرانيا وصراع القوى

04:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
يبدو أن أوكرانيا، رغم انتمائها جغرافياً لمعسكر حرارة ما تحت الصفر بعشرات، تأخذ سياسياً المسار الربيعي الذي سلكته بعض الدول العربية في السنوات الثلاث الأخيرة . فعندما لا تتعلم النخب السياسية من التجارب غير الناجحة، لا تكون الأهداف المعلنة منسجمة مع تلك المستترة، ولا تكون معبّرة بالضرورة عما يحتاجه الناس في مختلف الحراكات الشعبية .
يتضح بالتالي أن المساحة المشتركة في التجارب هي تلك التي تتقاطع فيها المصالح لدى القوى الداخلية المحرّكة، التي تتراءى آمال الحل السياسي في أوكرانيا تراجعت قليلاً بعدما لاح في الأفق بيرق حوار بين الحكومة والمعارضة التي حشدت قرابة ستين ألفاً من أنصارها في ساحة "الاستقلال" في العاصمة كييف، بعد يوم واحد من إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن دعمهما للمعارضة الأوكرانية، حيث تداعى قادة هذه المعارضة للدعوة إلى التظاهرات، وفي كلماتهم طالبوا بدعم مالي ممن وصفوهم ب "الشركاء الغربيين" .
من الواضح أن اجتماع قادة الغرب في مؤتمر ميونيخ قد ألقى بظلاله على المشهد الأوكراني، مثلما يصعب عزل هذا المشهد عن أحداث تبدو في الظاهر ليست ذات صلة، في حين أن الأخذ بالاعتبار دور اللاعبين الدوليين ومصالحهم، يقود لربط جدلي وحتمي بين خيوط الأحداث المتقاطعة .
هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والأشهر، لخّص تعقيدات الوضع في أوكرانيا بقوله إن فلاديمير بوتين يرى أن ما يجري في أوكرانيا، بمنزلة بروفة لما يريد الغرب أن يحدث في روسيا نفسها، وفي هذه الرؤية كثير من معرفة مربط الفرس، من جانب دبلوماسي مخضرم، فلأنه يدرك ما تريده بلاده، يدرك أيضاً ما يريده الآخرون، ولا سيما حين يتعلق الأمر بدولة عظمى مثل روسيا العائدة بقوة للعب أدوار دولية وإقليمية تستعيد بها محورية وهيبة سلفها الاتحاد السوفييتي .
حين النظر إلى الأوضاع في أوكرانيا، ينبغي ملاحظة أن قادة الغرب باتوا يدركون أن روسيا لم تعد تمسك أطراف الحبال في العديد من القضايا الدولية، بل بمسافات طويلة من هذه الحبال، ومن لا يرى هذا المتغيّر الذي بدأ يتفاعل ويتفاقم منذ حرب القوقاز في ،2010 لا يكون موجوداً على أرض سياسية، لذلك فإن كيسنجر المتحرر من قيود أي منصب، قال ما لا يستطيع القادة الرسميون في أمريكا قوله أو عرضه من مساومات ومقايضات على موسكو، وذلك على قاعدة "أعطونا هناك نعطيكم هنا" .
صراع المساومات هذا تبدو ملاعبه واضحة، الدرع الصاروخية، الملف النووي الإيراني، ملف الأزمة السورية، والمشهد الأوكراني . ما يزيد الأمور تعقيداً أن الغرب بلعبه بهذه الأوراق، يضع موسكو أمام خيارات أحلاها مر، إذا افترضنا أنها مضطرة للاختيار، وهي بذلك تكون كمن يطلب منه أن يختار أياً من قدميه سيضطر لقطعها مقابل بقاء الثانية . ربما تكون هذه حسابات الحقل الغربي، أما إن كانت تتطابق مع حسابات البيدر الروسي، فهذا ما لا يبدو وارداً بنظر الكثيرين من المحللين السياسيين الذين لا يرون روسيا المتماسكة والبعيدة عن الأزمات الاقتصادية التي تعيشها دول الغرب، في وضع تجد نفسها معه مضطرة للتفريط بأي من الملفات التي تعتبرها مصيرية . وإذا واصلت حسابات القوى المحلية ارتباطها ب "الشركاء الغربيين"، فإن النتيجة الوحيدة التي تتحقق هي الفوضى .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"