اتفاقية أوسلو.. بين التجميد والإلغاء

03:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
إلياس سحاب

لم يعد أمام السلطة الفلسطينية سوى الاعتراف الكامل بالتراجع الخطر الحاصل، وإلغاء اتفاقية أوسلو، واتفاقية التنسيق الأمني مع «إسرائيل» إلغاء كاملاً وصريحاً.
على الأوساط الفلسطينية السياسية المسؤولة ألا تندفع وراء حساب الخسائر التي لحقت ب«إسرائيل» والحياة السياسية فيها، نتيجة للجولة الثانية من انتخابات الكنيست التي أسفرت عن تعثر بل تبخّر أحلام بنيامين نتنياهو بالبقاء ثابتاً في موقع رئاسة الحكومة، وقطف ثمار كل «الهدايا» السياسية التي أغدقتها عليه واشنطن من تحويل القدس إلى عاصمة أبدية ل«إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية إليها، والاعتراف الأمريكي بيهودية الجولان العربي المحتل، والموافقة على خطة نتنياهو، أو أي مسؤول «إسرائيلي» آخر، بضم الضفة الغربية ل«إسرائيل»، فهذه الخسائر جراء تعثر العملية الانتخابية ليست أبعد من أزمة كبرى لحياة رجل تربع على عرش السياسة في «إسرائيل» لأطول مدة منذ إنشائها. وأسوأ ما يمكن أن يحصل له هو إنهاء عاصف لحياته السياسية وهي النتيجة نفسها التي وصل إليها قبله، رئيس الوزراء «الإسرائيلي» السابق إيهود أولمرت.
أما الحياة السياسية العامة في الكيان الصهيوني، فسرعان ما تجاوزت هذه الأزمة بحلول سياسية قبل قيام حكومة «وحدة وطنية»، ليبدأ الكيان «الإسرائيلي» بعد ذلك بتسجيل مزيد من حالة تآكل القضية الفلسطينية حتى وصولها إلى مرحلة اندفاع الولايات المتحدة الأمريكية نحو استكمال ما تبقى من خطوات عملية للوصول بقضية فلسطين إلى مرحلة التصفية النهائية، وإلغائها من سجل القضايا الدولية العالقة التي تنتظر إنجاز حل عادل وشامل لها، يحفظ للفلسطينيين حقوقهم التاريخية في العودة الكاملة وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها مدينة القدس.
الأزمة التي خلقتها الجولة الثانية من الانتخابات للحياة السياسية في «إسرائيل» لن تلبث حتى تجد حلولاً سياسية عامة، وأكبر آثارها سيكون في الحالة القصوى نهاية الحياة السياسية لرجل سياسة اسمه بنيامين نتنياهو. أما الأزمة الحقيقية فهي قابعة في الجانب الآخر؛ جانب السلطة الفلسطينية التي ما زالت تقبع في موقع المتفرج على الخطوات العملية للتصفية التاريخية لقضية فلسطين، وهي لا تمتلك أكثر من التنديد والتهديد الكلامي، «بتجميد» الاتفاقات المعقودة بينها وبين سلطة الاحتلال «الإسرائيلي»، ما يؤدي إلى تكبيل أيادي شعب فلسطين وخاصة في الضفة الغربية، صانعة الانتفاضتين الأولى والثانية، قبل الاستسلام الفلسطيني الرسمي (ومن ورائه الشعبي بعد ذلك) لكل القيود التي وضعتها اتفاقية أوسلو على الشعب فلسطين ونضاله التاريخي لفرض حقوقه التاريخية، ليس فقط على سلطات الاحتلال «الإسرائيلي»؛ بل على العالم بأسره.
إن أقصى ما ذهبت إليه تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية هو أنه لن يستمر في الاعتراف بكل ما تم توقيعه مع سلطات الاحتلال، في عملية إنكار سوريالية؛ لأن «إسرائيل» نفسها سبقته منذ اليوم الأول للتوقيع الفلسطيني على اتفاقية أوسلو، إلى إلغاء كل المفاعيل التي يبني عليها شعب فلسطين أحلامه، بما يشكل محطة أساسية من محطات الوصول بالنضال الفلسطيني إلى مراحل متقدمة نحو فرض بناء الدولة، والاعتراف الدولي بجميع الحقوق التاريخية لشعب فلسطين، وعلى رأسها حق العودة.
لقد حولت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» عملياً اتفاقية أوسلو في البداية، من وهم فلسطيني بالتقدم إلى الأمام، على طريق تحقيق الأحلام الوطنية كافة، إلى محطة حقيقية لاستكمال تهويد ما احتلته «إسرائيل» من فلسطين عام 1967، وإقفال الطريق نهائياً على أي احتمال لوجود أي إنجاز فلسطيني، وذلك بالإفادة الكاملة من اتفاقية أوسلو، خاصة في بند التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية التي تحولت إلى حراسة فلسطينية رسمية لكل خطط «إسرائيل» لاستكمال التهويد الكامل لأرض فلسطين التاريخية، وإقفال كل الأبواب على جحافل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية خاصة (حيث التطبيق الكامل لاتفاقية أوسلو التعيسة) للحؤول دون استكمال عملية الصراع بمختلف أشكالها وهو حق مقدس تكفله كل القوانين.
لقد قامت الفلسفة السياسية للسلطة الفلسطينية في كل مرحلة التراجع التاريخي المستمرة منذ ربع قرن، على إحلال مبدأ المقاومة الشعبية محل مبدأ المقاومة بكل الوسائل المتاحة بما فيها الكفاح المسلح. لكننا إذا أجرينا جرداً لإنجازات السلطة في مجالات المقاومة الشعبية والمقاومة القانونية في المحافل الدولية، سنرى النتيجة صفراً مكعباً، بدليل التدهور الخطر الذي أصاب أساسيات نضال الشعب الفلسطيني في سبيل قضيته وحقوقه، مع الاستبسال في إقفال الطرق من خلال التنسيق الأمني بشكل خاص، على كل الاحتمالات البديلة، ما أدى إلى تجميد الفاعلية السياسية لجماهير شعب فلسطين في منطقة الضفة الغربية بشكل خاص.
إن التهديد بالخروج الكلامي من كل الاتفاقيات الموقعة مع سلطات الاحتلال لم يحرك أي قلق لدى «إسرائيل» المستمرة في خططها لتصفية القضية خطوة وراء خطوة، بينما تقبع اتفاقية أوسلو في سلة المهملات منذ اليوم الأول لتوقيعها.
لم يعد أمام السلطة الفلسطينية سوى الاعتراف الكامل بالتراجع الخطر الحاصل، وإلغاء اتفاقية أوسلو واتفاقية التنسيق الأمني مع «إسرائيل» إلغاء كاملاً وصريحاً، وإطلاق سراح جحافل شعب فلسطين في الضفة الغربية لتؤدي دورها التاريخي إلى جانب تجمعات هذا الشعب في أراضي 48 وقطاع غزة، وكل بقاع الشتات، في استعادة تاريخية كاملة لمفاعيل النضال التاريخي لشعب فلسطين العربي، لانتزاع كامل حقوقه من كل القوى التي تستولي عليها منذ عقود طويلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"