التسويات الدولية لا تشمل المشكلات الداخلية

05:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

بلغت الأزمة السورية على مشارف عامها الثاني والمبادرات السياسية إلى تراجع . ما زالت الأزمة في المربع الأول وعند ما سمّي اتفاق جنيف الأمريكي الروسي في يونيو/حزيران 2011 .

انتخب الرئيس فلاديمير بوتين للرئاسة الروسية وانتخب الرئيس باراك أوباما للرئاسة الأمريكية مجدداً وليس هناك جلاء لحظة الحل السياسي القائم على وجود مرحلة انتقالية للتغيير . يلعب الأشخاص دوراً مهماً في التاريخ . هناك رمزية سياسية لشكل التغيير في السلطة السورية . الحديث عن حكومة كاملة الصلاحيات التنفيذية لا تختصر المشهد من قبل الطرفين بوجود الرئيس وبغير وجوده . عملياً السلطة رئاسية من الناحية الدستورية . لكن للسلطة قوى ومؤسسات أكثرها ضعفاً وهامشية الحكومة . في سوريا السلطة بيد الأجهزة الأمنية، والأجهزة الأمنية بيد فريق متضامن مكون من تزاوج المصالح السياسية والاجتماعية والطائفية . غير أن سياق الأزمة أضعف كثيراً العناصر الداخلية لمصلحة القوى الخارجية . يمكن لهذه القوى الخارجية أن تفرض تسوية سياسية إذا رغبت في ذلك لكنها لا تستطيع ان توقف عوامل العنف والتفجّر الداخلي، ولا أن تطوي القوى السياسية الداخلية . سوريا اليوم غيرها خلال نصف قرن . تفجرّت المكونات الاجتماعية والطائفية وتشكلت تيارات سياسية يصعب إعادة دمجها في نظام مركزي خاصة برموزه السابقة .

الحديث عن تسوية الآن هو أقرب لإدارة الأزمة والتخفيف من حدتها وضجيجها وترك البيئة الداخلية تتفاعل دون أي حسم عسكري . تلك كانت التجربة اللبنانية التي امتدت 15 سنة وكذلك الأزمة العراقية .

ما قيل عن موقف روسي يعلن عن بقاء النظام مع حوار وطني وتفاوض على الإصلاحات هي في حقيقته إعلان عن استمرارية الأزمة . حصل توافق أمريكي إيراني في العراق وجرت عملية سياسية وانتخابات وتغيير في السلطة لم تتوقف الأزمة ولا العنف . تحتاج الأزمات الاقليمية إلى توافقات دولية ولكنها تحتاج بالدرجة الأولى إلى تفاهمات داخلية وطنية وأنظمة سياسية قادرة على إرضاء جمهورها . في كل المشكلات العربية ولا سيما في المشرق العربي (لبنان، العراق، سوريا) لم تتبلور بعد صيغ للأنظمة السياسية تؤمن الاستقرار .

لا شك أن التوازن الدولي فرض نفسه في المنطقة، وهو يتجسد في ثنائيات سياسية (طائفية) في لبنان وسوريا والعراق . في المدى المنظور لا مجال لإحداث تحول جذري داخل أي من الكيانات الموجودة . لكن هذا التوازن يحتاج إلى كبح جماح التيارات السياسية المتشددة التي ما زالت تراهن على العمل المسلح لتحسين ظروفها وشروطها وربما لتغيير المعادلات . قد تجد الدول الكبرى صيغاً لتأكيد نفوذها داخل الأنظمة كما حصل في العراق أو لبنان وقد يحصل في سوريا، لكن افتتاح مسار جديد للاستقرار يفترض احتواء القوى السياسية التي صعدت إلى واجهة المسرح ولم تنجز كامل أهدافها ولم تشبع رغبتها في السلطة .

والأهم في كل ذلك هو القدرة على معالجة مشكلات كانت في اساس الأزمات الداخلية كالفقر والبطالة والتهميش . ويظهر بوضوح كيف أن السلطة العراقية عاجزة عن إعادة توحيد البلاد واحتواء المشكلات فضلاً عن الحجم الهائل من الهدر والفساد وغياب دولة القانون والتركيز على نظام جديد من الامتيازات . هذا في العراق النفطي المتقدم زراعياً وصناعياً وعلمياً . أما من سوريا فنحن على أبواب استقبال بلد مهدم من دون ثروات طبيعية، وكذلك الحال في لبنان . ليست الحروب في أي مكان مجرد عمليات عسكرية . النتائج الفعلية للحروب تتجسد في البنيات السكانية والاجتماعية والاقتصادية . على هذا المستوى كل الدول التي شهدت حروباً أهلية خسرت الكثير من ثرواتها ومقدراتها . فما أن تخرج الدول من الحروب حتى تحتاج إلى دولة قوية قادرة على معالجة المشكلات التي انتجت الحرب وعلى تداعيات الحرب وخسائرها . وقد تؤدي تشوهات المعالجة الى إنتاج المزيد من النزاعات وعدم الاستقرار . طبعاً من المبكر الحديث عن العالم العربي بعد هذا المخاض الشامل الذي يمر به ويتدحرج باتجاه دول جديدة . لكن مهمة النخب العربية الآن هي في البحث عن حلول من خلال أنظمة سياسية لا تعبّر فقط عن تغيير النخبة الحاكمة بل تغيير السياسات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية . وللأسف كانت هذه الهموم هي الأضعف في جدول أعمال قوى التغيير السياسي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"