العبرة الروسية في اكتناز الذهب

23:45 مساء
قراءة 3 دقائق

ليونيد بيرشدسكي *

خلال يونيو الماضي أضافت روسيا 7 مليارات دولار إلى احتياطيات الذهب. وإذا استمرت الزيادة في الأسعار، فسيشكل الذهب حوالي 20٪ من احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية البالغة نصف تريليون دولار، وهو ما يعادل حيازتها من الدولار.
كان الصندوق السيادي الروسي لسنوات الأكثر حيازة للذهب على مستوى العالم، وحتى عندما هبطت أسعار المعدن الأصفر إلى أدنى مستوياتها بداية القرن الحالي، حيث تدنى سعر الأونصة إلى ما دون 300 دولار، استمرت روسيا في زيادة احتياطياتها منه. و اليوم يبدو أن هذا التكتيك يؤثي ثماره منذ أن وصلت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى في عام 2013.
ويسود الاعتقاد بأن هيمنة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية نتجت عن ندرة الأصول الآمنة. ومع ذلك، قدمت روسيا مؤخراً مثالاً ساطعاً على أن الاقتصاد الكبير الذي يمتلك خامس أكبر احتياطيات أجنبية في العالم، يمكن أن يقلص إلى الحد الأدنى حيازاته من الدولار، ويستمر في تحقيق مستويات أداء جيدة. وهذا النهج لا يجد له أنصاراً في الكثير من دول العالم، ومع ذلك تستمر البنوك المركزية في شراء المزيد من الذهب.
ومنذ أن تعرضت روسيا لعقوبات بسبب عدوانها على أوكرانيا عام 2014، كان لديها أسباب وجيهة لإعادة التفكير في تكوين احتياطيها من القطع الأجنبي. في حين أن الاتحاد الأوروبي لم يشدد عقوباته عليها منذ ما يقرب من خمس سنوات، فإن الولايات المتحدة تنفذ العقوبات حرفياً طوال الوقت. ويعتبر الكرملين وبنك روسيا أن خطر فرض مزيد من القيود أمر لا يمكن التنبؤ به ويعتمد على السياسة الداخلية للولايات المتحدة أكثر من أي شيء قد تفعله روسيا. وخلال الأشهر ال12 التي تلت سبتمبر/أيلول 2017 خفض البنك المركزي كمية الدولار في حيازاته من القطع الأجنبي إلى النصف، وزاد كميات اليورو والرنمينبي بشكل لافت.
تُظهر هذه البيانات، وهي أحدث البيانات المتوفرة من البنك المركزي، انخفاض الذهب بشكل طفيف، على الرغم من أن روسيا أضافت 274 طناً من المعدن الأصفر إلى احتياطياتها في عام 2018، ليصل الإجمالي إلى 2113 طناً، في إطار حرص روسيا على زيادة الأصول الأخرى بهدف تجنب الضغوط الغربية ما أمكن، وقد استفادت من تراجع أسعار الذهب خلال الفترة المذكورة بنسبة 7%.
وخلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، حيث ارتفع سعر الذهب بنحو 7٪، أضافت روسيا ما قيمته 7 مليارات دولار إلى الاحتياطيات. و إذا استمرت الزيادة في الأسعار، فسيشكل الذهب حوالي 20٪ من احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية البالغة نصف تريليون دولار، وهو ما يعادل حيازتها من الدولار.
بطبيعة الحال، لا يزال الدولار هو أكبر عملة احتياطي في العالم، والذهب والعملات الأخرى لا تحل محله في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك لاحظ مجلس الذهب العالمي وجود اتجاه تصاعدي في صافي مشتريات الذهب من قبل البنوك المركزية يتجاوز المسعى الروسي - لكن موسكو لا تزال أكبر المشترين. وقد سجلت مشتريات البنوك المركزية في الربع الأول من عام 2019 كمية قياسية من الذهب بلغت، 715.7 طن.
ولدى الصين مشاكلها الخاصة مع الولايات المتحدة والدولار. في حين أنها لا تستطيع تخفيض أصولها الهائلة بالدولار بشكل حاسم كما فعلت روسيا، إلا أنها ذهبت لتخفيض تدريجي. وقد أظهرت اهتماماً متزايداً بالذهب.ومن بين كبار المشترين أيضاً تركيا والهند، التي تصنف ضمن نادي العشرة الكبار من حيث حجم احتياطياتها من القطع الأجنبي.
ويبدو أن انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، والمواقف الهجومية غير المحسوبة لإدارة ترامب وشهيتها الجامحة للديون، وعدم الاستقرار الجيوسياسي، يضع الذهب في موقع متقدم على أوعية الدين الأخرى خاصة الدولار وسندات الخزانة الأمريكية. ومن المتوقع أن تزيد دول منها روسيا، احتياطياتها من الذهب في المستقبل تحسباً للاضطرابات التي تتعرض لها تلك الأوعية.
وسبق تحرك فلاديمير بوتين تحركات محتملة لدول أخرى، فيما يتعلق بالتخلص من الدولار لأن لديه ما يكفي من المخاوف حيال واشنطن. وينبغي على الإدارة الأمريكية الحالية والإدارات القادمة توخي الحذر حيال خلق الذرائع لدول أخرى للتخلص من الدولار واللحاق بركب الكرملين. ورغم أن النموذج الاقتصادي الروسي لا يغري الكثيرين لتقليده إلا أن سياسة موسكو في التعامل مع الاحتياطيات من القطع الأجنبي تبدو مقنعة جداً.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"