المنّ . . وحدة قياس الوزن

04:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، يتسارع الناس لشراء أكياس الأرز والقمح والطحين، وهم يستفسرون عن أوزان تلك الأكياس بالمنّ؛ ولم يتبادر لذهن أيّ واحد منهم عن معنى تلك الكلمة أو أصلها؛ فقلت في نفسي لا بد أن أوضح ذلك، فكتبت ما يلي:

لقد تتبعت كلمة مَنّ في كثير من المخطوطات القديمة فوجدتها في اللغة الأكادينية، وهي لغة الأكاديين وهم شعب سامي استوطن بلاد ما بين النهرين، وأسس دولة قوية . أنشأها سرجون الأول نحو 2235 قبل الميلاد . ودامت نحو قرنين من الزمان . كانت لهم حضارة مزدهرة، وحلت لغتهم محل السومرية . فكانت وحدة الوزن لديهم مانا (mana) . في بداية الألف الثاني قبل الميلاد حلّت الدولة البابلية محل الدولة الأكادينية وبقايا سومر، وبلغت عصرها الذهبي مع المشرّع الكبير حمورابي، من 1711 - 1669 قبل الميلاد، فكانت كلمة مانا لدى البابليين تعني وحدة قياس للوزن وقد ذُكرت هكذا: وحدة الوزن أو النقد تلنت (talent) تساوي ثمانين من مانا، وقد انتقلت كلمة مانا مع الأوزان والمقاييس البابلية إلى معظم البلاد القديمة .

وإذا ما قارنا ذلك بما جاء في النقوش الهيروغليفية المصرية فسنجد الكلمة جاءت في صورتين من (men) أو مانا (mana)؛ وقد حفظت لدى الأقباط في صورة إمنا (emna) أو أمنا (amna) . ونجدها في اللغة العبرية مانه (maneh)، وفي اللغة الرومانية مينا (mina) . أخذ العرب تلك الكلمة وأدخلوها على لغتهم فكان تعريفها لدى العرب كالتالي:

المن جمعها أمنان: كيل أو ميزان وهو شرعاً 180 مثقالاً وعرفاً 280 مثقالاً .

نشر العرب كلمة من في غربي آسيا وخاصة الهند عن طريق تجارتهم الواسعة في تلك المناطق، في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، وربما كان قبل ذلك التاريخ . وعن طريق العرب، نجد الكلمة الإسبانية القديمة المِنا (almena) وكذلك الكلمة الفرنسية القديمة المِن (almene) والذي كان يزن عشرين رطلاً . عندما وصل البرتغاليون إلى الهند في نهاية القرن الخامس عشر أدخلوا الكلمة إلى لغتهم، فكان المن يسمى ماو (mao)، أما الإنجليز فقد أدخلوها باسم مآن (maune) منذ سنة 1611م، حيث كان ذلك التاريخ بداية وصولهم إلى الهند، ثم تحولت إلى ماند (maund) .

يقسم المن إلى ثماني كاسات، وبحثت عن الكأس في الأوزان فإذا بي أرجعها إلى الصاع، والصاع يقال هو الإناء الذي يشرب فيه؛ وقد استعملتها العرب مكيالاً . وقد تحولت من صاع إلى كوب ثم إلى كأس . قرأت في كتاب الأسماء والصفات لأبي بكر أحمد البيهقي الذي توفي سنة 458ه الموافق لسنة 1066م في نيسابور، حيث ذكر: قال الأمير: فلنقم الوزن بالقسط، ونملأ الكاسات بالتساوي . ثم أردف قائلاً: الكأس نصف مَنّ .

تتغيّر مقادير المن من مكان إلى آخر، حتى في الوقت الحاضر، فهي تراوح ما بين رطلين وزيادة قليلة للمن وإلى ما فوق مئة وستين رطلاً للمن الواحد . ففي الهند مثلاً تراوح أوزان المن كالتالي:

في مومبي، المن = 28 رطلاً .

وفي مدراس، المن = 25 رطلاً .

وفي أحمد نجر، المن = 25 .163 رطل، وهو أعلى وزن للمن في الهند .

وفي ترافنجر، المن = 18 رطلاً، وهو أقل وزن للمن في الهند .

في سنة 1957م، اعتمدت حكومة الهند نظام الأوزان بالكيلوغرامات .

أما في فارس فكان المن التبريزي أقل من سبعة أرطال، والمن الشاهي أي الملكي ضعف التبريزي .

كان منّ جدة هو أقل الأمنان وزناً، فكان يزن رطلين وربعاً .

وأخيراً نذكر مَنّ الإمارات فهو يزن تسعة أرطال ويساوي أربعة كيلوغرامات وبه ثمانية أكياس .

كنا في صبانا نسمع عن منّ الشارقة ومنّ الصير أي رأس الخيمة وكان منّ الشارقة يساوي ثلاثة أمنان الصير .

وفي فترة بداية الخمسينات كنا نقضي الصيف في رأس الخيمة في قرية تسمى الغُبّ، وكانت عوائل كثيرة من دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين يصيّفون في قريتنا أو القرى المجاورة . وكان خلف مزرعتنا دكان لصاحبه ابن بريم يبيع للناس حاجيات المنازل من أرز وطحين وسمن وما أشبه ذلك؛ فكنت أجلس عنده بعض الوقت، وألاحظ المشترين وهو يزن لهم بمن الصير . فإن أخذ المشتري يجادل في السعر وكميته عرفت أنه من رأس الخيمة، أما إذا لاحظت المشتري أخذ البضاعة قانعاً قائلاً: ما أرخصك يا رأس الخيمة! عرفت أنه آت من المدن الغربية مثل دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين، حيث تزن بمنّ الشارقة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب