روبرت مابرو... «قائد عربي» في بلاد الهجرة

04:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. رغيد الصلح
كتب الكثير عن البروفيسور روبرت مابرو خلال حياته وبعد غيابه الذي أثار الحزن في نفوس أصدقائه ومحبيه، وقد ركزت أكثر هذه الكتابات على دوره في الدراسات النفطية، وتناول بعض هذه الكتابات دور مابرو في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لكلية سانت أنتونيز في جامعة أكسفورد، وكذلك دوره في تأسيس وإدارة «نادي الطاقة» في نفس الجامعة وأخيراً لا آخراً عن دوره في بناء «مؤسسة أكسفورد لدراسة الطاقة» بحيث احتلت مكانها بين أهم مراكز التفكير في المسألة النفطية على المستوى العالمي.
وتطرق البعض في كتاباتهم عن مابرو إلى دوره الحساس في التوسط خلال عام 1998 بين دول الأوبك والدول المعارضة لها بغرض تفاهم الطرفين على تخفيض إنتاج النفط، وصولاً إلى رفع أسعاره التي بلغت آنذاك أدنى مستوياتها، وتسلط هذه النشاطات الأنظار على العوامل التي ساهمت في تكوين شخصية العالم الراحل، ولقد خولته هذه النشاطات نيل رتبة القائد في الإمبراطورية البريطانية، وتمنح ملكة بريطانيا هذا اللقب سنوياً لعدد من الشخصيات التي قامت بخدمات جلى إلى بريطانيا في شتى المجالات، وروبرت ما برو هو واحد من البريطانيين القلائل الذين حصلوا على هذا اللقب.
ولكن إلى جانب هذه المنجزات والأعمال، يستحق روبرت مابرو أن يكرم على دوره الحيوي في العديد من النشاطات والمبادرات، لقد كانت صفة المواطن العالمي تنطبق إلى حد بعيد على روبرت، فقلّ أن عرف عنه التعصب الديني أو العرقي أو القومي، ولكنه في نفس الوقت لم يتنكر لصلته بالمنطقة العربية، وبالساحل المشرقي لهذه المنطقة (مصر، لبنان، فلسطين) بصورة خاصة، ولا اعتبر أن هذه الصلة تفرض عليه التخلي عن تطلعاته الإنسانية والعالمية.
هذا ما تقوله مساهمة روبرت مابرو في إطلاق «لجنة أكسفورد ضد الغزو «الإسرائيلي» للبنان» خلال يونيو/حزيران عام 1982، لقد ساهم روبرت في تشكيل هذه اللجنة وفي الاضطلاع بنشاطاتها مثل مطالبة لجنة نوبل لجائزة السلام بسحب الجائزة من مناحيم بيغن، رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، خاصة بعد مجازر صبرا وشاتيلا، ولقد ساهم روبرت في صياغة الرسالة إلى لجنة الجائزة، وكذلك في جمع تواقيع الأكاديميين المؤيدين لها، وذهب روبرت إلى أبعد من ذلك بدافع من استنكاره الشخصي للمجازر والأعمال العدوانية التي نفذها المحتلون خلال احتلالهم جنوبي لبنان وحصارهم بيروت وإمعانهم في قصفها. وتعبيراً عن مشاعره الإنسانية والوطنية كتب روبرت رسالة شخصية وموقعة موجهة إلى عدد كبير من الأكاديميين المعنيين بشؤون الشرق الأوسط والمنطقة العربية والصراع العربي «الإسرائيلي» يدعوهم فيها إلى اتخاذ موقف صارم ضد العدوان.
قال مابرو في رسالته، إن البعض من الأكاديميين والشخصيات العامة فسر موقفه المشين عندما سكت عن «المحرقة» إبان الحكم النازي في ألمانيا خلال الثلاثينات والأربعينات بادعائه أنه لم تتوافر له المعلومات عن حجم الارتكابات التي أنزلها النازيون باليهود. وأضاف روبرت أنه حتى ولو اعتبرنا ذلك التبرير مقبولاً آنذاك، فإنه لا يمكن استخدامه اليوم، حيث إن ثورة الاتصالات وضعت في أيدينا وأمام أعيننا مشاهد سريعة وآنية عن الأفعال الشنيعة التي ترتكب في أية بقعة من بقاع الأرض. استطراداً، قال روبرت في رسالته، إنه من واجب كل ذي ضمير حي ألا يكرر فضيحة الثلاثينات بل أن يستنكر بأعلى صوت المجازر التي ترتكبها القوات «الإسرائيلية» وأعوانها المحليون في لبنان، وأن يطالبوا بانسحاب القوات «الإسرائيلية» الغازية فوراً من الأراضي اللبنانية.
إلى جانب ذلك ساهم العالم الراحل باندفاع في سائر النشاطات التي قامت بها اللجنة ضد الاحتلال، وعندما هدأت أصوات الحرب في لبنان، عكف أعضاء وعضوات اللجنة من الأكاديميين والشخصيات العامة في أكسفورد على تقييم نشاطات اللجنة فاتفق أكثر هؤلاء، على أنه من الضروري إبقاء اللجنة مع تغيير طابعها واسمها، بحيث لا تتوقف عند الصراع المسلح العربي «الإسرائيلي» فحسب، بل أن تسهم أيضاً في كشف عوامل الضعف في الأوضاع العربية وخاصة غياب الديمقراطية والتكامل الإقليمي والوحدة الوطنية داخل الأقطار العربية وفقدان المساواة بين مكونات هذه المجتمعات، وخاصة بين المرأة والرجل. وكان روبرت يلح على مناقشة هذه الأوضاع بجرأة مع الابتعاد عن روح المهاترة والدعوات الشعبوية.
وفعلاً تم تحويل اللجنة إلى جمعية أكسفورد العربية التي تبنت الدعوة إلى إصلاح المجتمعات العربية، وهي دعوة عمل روبرت مخلصاً لها، سواء في مجال النفط أم مجالات السياسة والاقتصاد. لهذا السبب الأخير فإننا ندعو الحكومتين المصرية واللبنانية إلى تكريم العالم الراحل، بما يليق «بالقائد الراحل» في البلاد المصرية واللبنانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"