روسيا والركود الجديد

04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت الحكومة الروسية أحدث توقعاتها للاقتصاد الكلي . ولم يكن القرار سهلا: فقد خاض الرئيس فلاديمير بوتين وحكومته الحالية انتخابات عام 2012 على وعد بأن الاقتصاد الروسي سوف ينمو بمعدل 5% إلى 6% سنويا على مدى فترة ولايته لست سنوات، ولكن من المتوقع الآن أن يبلغ متوسط النمو 8 .2% فقط في الفترة 2013-2020 .
وقد اعترف وزير التنمية الاقتصادية أليكسي يوليوكوف صراحة بأن تحقيق الأهداف التي حددها بوتن "سوف يستغرق وقتاً أطول" . وقد يعني هذا في بعض الحالات وقتاً أطول كثيرا . على سبيل المثال، في مايو/أيار ،2012 وَعَد بوتن بزيادة إنتاجية العمل في روسيا بنسبة 50% بحلول عام 2018؛ ولكن التوقعات الحالية لا تنبئ باحتمال تحقق هذه النتيجة ولا حتى بحلول عام 2025 .
ولم تكن توقعات الوزارة القاتمة هذه مفاجئة بالنسبة للمراقبين المستقلين . وبالنظر إلى انخفاض أسعار الأسهم وارتفاع تدفقات رأس المال إلى الخارج، فمن الواضح أن المستثمرين كانوا يراهنون بالفعل ضد معدلات النمو المرتفعة . والآن انتقل التشاؤم إلى بوتين ورئيس الوزراء دميتري ميدفيديف أيضاً . والواقع أن ميدفيديف، الذي كان يتوقع علناً حتى يناير/كانون الثاني معدل نمو سنوي يبلغ 5%، صَرَّح للمستثمرين الأجانب في أكتوبر/ تشرين الأول بأن معدل النمو هذا العام لن يتجاوز 2% .
في الماضي، كانت الحكومة تُحَمِّل التباطؤ العالمي المسؤولية عن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد . واليوم أصحبت هذه الحجة منافية للعقل والمنطق . فالاقتصاد العالمي واقتصاد الولايات المتحدة بوجه خاص ينمو بمعدلات أسرع مما كان متوقعا، وأصبحت أسعار النفط العالمية أعلى من 100 دولار للبرميل .
وتجيب توقعات الوزارة بوضوح شديد عن السؤال المستديم "من يقع عليه اللوم": فالتباطؤ يعكس "المشاكل الداخلية" التي تعاني منها روسيا . فالتوقعات الأساسية للوزارة تفترض أن سعر النفط السلعة الرئيسية التي تصدرها روسيا سوف ينمو بالحسابات الحقيقية بنسبة 9% سنوياً على مدى السنوات السبع عشرة المقبلة، أو أكثر من ثلاثة أمثال التوقعات الخاصة بنمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في روسيا .
وبعد أسبوع من إصدار الوزارة لتوقعاتها، حذا حذوها البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وهو المستثمر المباشر الأجنبي الأكبر في روسيا وخفض توقعات النمو الخاصة بروسيا إلى 3 .1% في عام ،2013 ثم 5 .2% في عام 2014 . وكانت نظرة البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير أكثر وضوحا: فالتباطؤ كان نتيجة لافتقار الحكومة الروسية إلى الإصلاح البنيوي . فالإدارة الهزيلة، وضعف سيادة القانون، واعتداء الشركات المملوكة للدولة على المنافسة، كل هذا يعمل على تقويض مناخ الأعمال في روسيا ويدفع رأس المال إلى الهروب .
وتدرك النخبة الحاكمة في روسيا تمام الإدراك الحاجة إلى الإصلاحات؛ والواقع أن عصر بوتين-ميدفيديف الذي بلغ اليوم عامه الرابع عشر، لم تنقصه برامج الإصلاح . ففي عام 2008 على سبيل المثال، كنت أنا وآليه تسيفنسكي نُشيد بالرئيس ميدفيديف آنذاك لالتزامه بتنفيذ التغييرات التي يحتاج إليها الاقتصاد الروسي . ولكن رئاسة ميدفيديف التي دامت فترة واحدة مثلها كمثل إدارة بوتين من قبل ثم منذ ذلك الحين لم تفِ بهذه الوعود .
ويعكس عزوف الحكومة الروسية عن مكافحة الفساد وتعزيز قوة المؤسسات القانونية في البلاد توازناً سياسياً ضاراً ولكنه ثابت رغم ذلك . ففي عام 2010 توقعت أنا وتسيفنسكي تكرار "سيناريو السبعينيات والثمانينيات" في روسيا في الأعوام المقبلة: فكما تعافت أسعار النفط وتجاوزت 70 إلى 80 دولاراً للبرميل، بعد انخفاضها إلى 40 دولاراً للبرميل، فإن روسيا سوف تعود إلى ركود سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين .

* أستاذ الاقتصاد الزائر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وعميد كلية الاقتصاد الجديدة في موسكو سابقاً والمقاول ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت"

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"