طبق الانتقام الروسي

02:44 صباحا
قراءة دقيقتين

الانتقام طبق لا يؤكل إلا بارداً. على هدي هذا المثل الفرنسي تسير روسيا هذه الأيام. خطوة الاعتراف باستقلال إقليمي أوسيتيا وأبخازيا جاءت رداً، متأخراً نحو ستة أشهر، على الإصرار الأمريكي على إعلان استقلال إقليم كوسوفو من جانب واحد. روسيا استخدمت الأدوات نفسها للغرب ورفعت لواء حق الشعب في تقرير مصيره، لتعلن أن شعبي أبخازيا وأوسيتيا لم يعد باستطاعتهما التعايش مع النظام الجورجي.

الخطوة الروسية قوبلت، كما كان متوقعاً، بموجة من ردود الفعل المستنكرة والشاجبة من جانب الدول الغربية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي خصوصاً. غير أن روسيا باتت تدرك أن الشجب هو أكثر ما تستطيعه هذه الدول في المرحلة الحالية، ولا سيما أنها تعيش مآزق عسكرية متعددة الأوجه، أبرزها وأهمها في أفغانستان.

أفغانستان قد تكون ساحة الانتقام الثانية لوريثة الاتحاد السوفييتي السابق. فرجل روسيا القوي رجل ال كي جي بي السابق، فلاديمير بوتين، لا ينسى الدور الأمريكي في محاربة الجيش الأحمر في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وتسخير واشنطن المجاهدين الأفغان والعرب لمحاربة الغزو السوفييتي والمساهمة في اندحاره في العام 1988.

الفرصة مواتية جداً اليوم لروسيا الجديدة، التي ترى أن الأوضاع انقلبت اليوم في أفغانستان. فالبلد محتل من قبل الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي، ومجاهدوه يخوضون حرباً ضد هذه القوات في تكرار لسيناريو الثمانينات مع اختلاف اللاعبين ومسمياتهم.

روسيا إلى الأمس القريب كانت مساهمة في دعم قوات حلف شمال الأطلسي لوجستياً، عبر سماحها بإمرار الدعم من أراضيها إلى الأراضي الأفغانية. لكن بعد أزمة جورجيا والتطورات المتسارعة للمواجهة بين واشنطن والغرب، فإن الأمور لا شك ستأخذ منحى آخر، ليس أقله قطع الدعم اللوجستي لقوات الأطلسي، وهو ما تخشاه واشنطن.

موسكو إلى الآن تستخدم الورقة الأفغانية لابتزاز الغرب، فتارة تتحدث عن تجميد العلاقات مع الأطلسي ما عدا أفغانستان، وطوراً تهدّد بوقف التعاون في هذا البلد. اللعبة الروسية تحمل هدفاً واضحاً عبّر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف الأسبوع الماضي، حين أشار إلى أن مستقبل حلف شمال الأطلسي سيتحدد في أفغانستان.

مؤشرات واضحة تنبئ بتسخين الجبهة الأفغانية في لعبة عض الأصابع بين روسيا والغرب. لعبة قد لا تكون أفغانستان آخر ساحاتها، لكنها ستكون الأقسى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"