فلنتعلم كيف نترك التطرف

04:11 صباحا
قراءة 4 دقائق

إن التقارير المتوالية الصادرة عن البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وجامعة الدول العربية، تؤكد جميعها أن العجز الذي يتسم به التعليم في العالم العربي من بين الأسباب الرئيسية وراء تخلف التنمية في البلدان العربية. فرغم أن العالم العربي يؤوي 5% من سكان العالم ويحتوي على القسم الأعظم من احتياطيات النفط والغاز على مستوى العالم، إلا أن العالم العربي متأخر عن أغلب بقية بلدان العالم، ويعاني مما نستطيع أن نطلق عليه في أفضل تقدير الفقر التعليمي. ومن دون إدخال تحسينات جذرية على كافة المستويات التعليمية، والبطالة، والأمية، والدخول، فإن انعدام المساواة بين الناس سوف يستمر في التفاقم، وسوف تظل المنطقة تشكل خطراً على نفسها وجيرانها.

فحتى قبل الركود الاقتصادي الحالي، كانت مستويات البطالة في العالم العربي تقدر بنحو 14% أعلى متوسط في العالم خارج البلدان الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى في إفريقيا. وبين الشباب والخريجين الجدد ترتفع الأرقام إلى الضعف.

والعالم العربي لديه أيضاً أعلى معدلات النمو السكاني على مستوى العالم، حيث ما يقرب من 40% من سكانه الآن دون سن الخامسة عشرة. وطبقاً لبعض التقديرات فإن العالم العربي يؤوي ربع إجمالي عدد العاطلين عن العمل في صفوف الفئة العمرية 15-24 على مستوى العالم. ولمجرد مجاراة تدفق الشباب إلى سوق العمالة، فسوف يكون لزاماً على البلدان العربية أن توفر مائة مليون فرصة عمل جديدة على مدى السنوات العشر المقبلة، وهو أمر مستحيل إذا ظل التعليم بهذا الفقر.

لقد تحسنت نسب الالتحاق بالتعليم على مدى العقد الماضي، ولكن البلدان العربية ما زال لديها واحد من أدنى متوسطات الالتحاق في العالم النامي. وحوالي 20% من الأطفال المؤهلين، أكثر من سبعة ملايين طفل، لا يذهبون إلى المدرسة، ونحو 60% منهم فتيات. فضلاً عن ذلك فإن متوسط أعوام الدراسة بالنسبة للعرب يقل عن نصف نظيره في بلدان شرق آسيا. وليس من المستغرب، على الرغم من التقدم في العقود الأخيرة، أن تظل نسبة الأمية حوالي 30% في المتوسط، وأن تصل في بعض البلدان العربية إلى 50% و60%.

وتشكل نوعية التعليم العربي أيضاً عقبة كبرى. إن سوق العمل اليوم يتطلب المهارات المستندة إلى القدرة على حل المشاكل، والتفكير النقدي، واللغات الحديثة، والتكنولوجيا، ولكن الأنظمة التعليمية العربية عموماً تظل تقليدية وقائمة على الحفظ والتلقين والاستبداد.

إن الأبحاث في مختلف أنحاء العالم تؤكد أن التعليم أحد الشروط الرئيسية لتحقيق النمو المستدام. ولقد استثمرت نمور شرق آسيا بكثافة في التعليم، فأثمر ذلك في القوى العاملة القادرة الحديثة التي تتمتع بها بلدان شرق آسيا. وفي المقابل سنجد أن التنمية في العالم العربي، المدعومة إلى حد كبير بعائدات النفط، قد تركت السكان مهمشين اقتصادياً وعلى مستوى تعليمي متدنٍ.

إن التعليم يشكل أيضاً أهمية كبرى في السياق العربي بشكل خاص وذلك بسبب مكانة اللغة العربية الخاصة في الإسلام، الذي هو مثله كمثل اليهودية والمسيحية دين كتاب. فيقول إنجيل القديس يوحنا في البدء كان الكلمة، والكلمة الأولى التي تنزل بها الملاك جبريل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت اقرأ.... وهناك حديث نبوي يقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.

فضلاً عن ذلك فإن الإسلام لا يعترف بالكهنوت، بل بالعلماء فقط. والواقع أن العصور الذهبية للعرب في بغداد في القرن الحادي عشر وفي الأندلس في القرن الرابع عشر، ما زالت تحظى بالتبجيل باعتبارها فترات ازدهر فيها العلم والتعلم. فكانت المدارس والجامعات تتلقى دعماً واسع النطاق، وكان الطلاب والباحثون يسافرون من مدينة إلى مدينة في طلب العلم والمعرفة. ولكن بعد هذه العصور الذهبية انحدر التعليم.

إن أكثر ما يتمتع به الغرب، وأكثر ما يحتاج إليه العالم العربي، هو التعليم. والتعليم يتطلب بناء المزيد من المدارس لا المزيد من الأسلحة، والمزيد من الجامعات لا المزيد من حاملات الطائرات. ويقال إن إسهام الجامعة الأمريكية في بيروت التي تأسست في عام ،1866 في تحويل وجه الحياة في الشرق الأوسط إيجابياً، كان أعظم من إسهام أي مؤسسة تعليمية مشابهة، ورغم ذلك فإن هذه الجامعة لا تحصل إلا على 3 ملايين دولار سنوياً في هيئة مساعدات من الولايات المتحدة التي تنفق المليارات على الجيوش والتسليح في المنطقة.

إن تكاليف شهر واحد فقط من الإنفاق العسكري الغربي في العراق أو أفغانستان تكفي لمضاعفة إجمالي المساعدات في مجال التعليم في الشرق الأوسط إلى ثلاثة أمثالها. وتكلفة صاروخين من صواريخ كروز تكفي لبناء مدرسة، بل وتكفي تكاليف تصنيع طائرة يوروفايتر واحدة لبناء جامعة صغيرة.

لا شك أن التعليم يؤثر بشكل جوهري في عملية تشكيل القيم. ولقد أدرك الراديكاليون الإسلاميون هذه الحقيقة منذ زمن بعيد فكرسوا مواردهم لبناء المدارس.

وفي أفغانستان وباكستان، تنتقل الرؤية المتطرفة إلى الشباب في المدارس الدينية المعروفة باسم مدارس. والواقع أن كلمة طالبان تعني الطلاب. ولا شك أن الفوز في الكفاح الدائر الآن من أجل مستقبل العالمين العربي والإسلامي، أو خسارته، لن يكون في ساحة المعركة، بل في حجرة الدرس.

*مدير مركز كارنيجي في الشرق الأوسط ببيروت. والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت

بترتيب مع بروجيكت سنديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"