قمة العشرين والبحث عن المفاجآت

03:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
رغيد الصلح

إنه لقاء خفيف الظل، قليل الكلفة، بعيد عن المشاريع الفخمة والتعقيدات السياسية. إنه تجمع لا ينتظمه مانيفستو ولا تستبقه محطات كثيرة ولا تلاحق ما يصدر عنه من إرشادات سكرتارية دائمة و«لجوجة» كما هي حال المفوضية الأوروبية في بروكسل، ولا تعد له بيروقراطية دائمة تشغل نفسها والآخرين بما يبرر وجودها واستمرارها. أما الدولة التي تستضيف هذا اللقاء، فحسبها أن تكون إقامة الوفود إلى اللقاء مريحة وأن تشكل فرصة للتفكير بصوت عال في قضايا اللقاء، ومناسبة للتفلت من المسؤوليات المتعبة التي تتخللها المناقشات الحامية ولإصدار بيانات تزدحم بالمشاريع المؤجلة والتنفيذ في الأمد غير المنظور ولا المحسوب.
تلك هي الصورة التي ترسم أحياناً لقمة العشرين وللاجتماعات المقبلة التي تنعقد بعد غد في مدينة هانغتشو في الصين. وهي صورة قد تنطبق أحياناً على الواقع. وسواء صحت الصورة التقليدية التي ترسم للقمة أم لا، فإن هذا لا يعني أن لقاء العشرين خال من المعاني والدلالات، ولعل أهم ما فيه أن هذه القمة مثلها مثل القمم السابقة تأتي في سياق محدد ومن المستطاع قراءته بسهولة إذا ما عدنا إلى تاريخ قمة العشرين.
وبالعودة إلى هذا التاريخ قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن قمة العشرين طغت على ما سبقها أي على قمة الثماني. ولقد أصاب الرئيس الأمريكي في ربطه بين القمتين ولكنه أخطأ في تحديد طابع هذه العلاقة إذ بدا وكأنه يدعو ناقدي قمة العشرين إلى الكف عن النظرة إليها وكأنها تكرار واستمرار لقمة الثماني.
وهذه الدعوة في غير محلها، لأن قمة العشرين هي الخلف والوريث الشرعي لقمة الثماني. أما الفرق بين القمتين فيتضح عندما نراجع ظروف نشوء كل واحدة منهما والأطراف التي انضمت أو ضمت إلى القمتين.
لقد نشأت قمة الثماني أو بالأحرى قمة السبع خلال السبعينات، وبعد إعلان الأوبك (المنظمة العربية للدول المصدرة للنفط) حظر تصدير النفط إلى الدول التي تؤيد «إسرائيل» ضد العرب، ثم تطور الحظر بحيث شملت تداعياته وآثاره مضاعفة أسعار النفط عدة مرات. وأدى هذا القرار إلى تصدع اقتصادي وسياسي كبيرين في دول الغرب التي تعتمد على صادرات النفط العربية، وإلى تقديم بعض هذه الدول تنازلات إلى الدول العربية. هذا على المدى القريب والمتوسط. أما على المدى البعيد فقد اتجهت الدول الأطلسية بصورة خاصة إلى تأسيس مجموعة السبع أو الثماني فيما بعد.
ولم يكن الهدف من تشكيل هذه المجموعة الوصول إلى مصالحة نفطية أو اقتصادية مع العرب. لقد طرح الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران مثل هذه المصالحة عبر تأسيس هيئة دولية تضم منتجي ومستهلكي النفط، ولكن الإدارة الأمريكية عارضت هذا المشروع، وعندما تمسك ميتران بمشروعه ودعا إلى ندوة دولية للتداول فيه أبدت واشنطن معارضتها العلنية للمبادرة الفرنسية واكتفت بإيفاد موظف ثانوي لحضور الندوة بصفة مراقب فقط.
ما عدا ذلك فقد تحولت لجنة السبع إلى أداة من أدوات الحرب الباردة، وإلى وسيلة من الوسائل التي اعتمدتها مجموعة السبع/الثماني لإجبار العرب على التنازل عن الكثير من المكاسب التي حققوها من خلال الحظر النفطي وحرب أكتوبر. بيد أنه لا بد من الملاحظة أن الدول التي تشكلت منها مجموعة الثماني لم تكن متفقة تمام الاتفاق على السياسة التي اتبعتها تجاه الدول العربية كما لاحظ ج. جون ايكنبيري، الأكاديمي الأمريكي الذي شغل منصب أستاذ العلاقات الخارجية في جامعات كبيرة، كما عمل في الإدارة الأمريكية عدة سنوات. ففيما رغبت بعض الدول الأعضاء في مجموعة الثماني التوصل إلى تفاهم مع المجموعة العربية، عملت دول أخرى على تقليص فرص التوصل إلى حلول للتوترات التي كانت تغشى العلاقات بين الجانبين وخاصة على صعيد القضية الفلسطينية.
وبالمقارنة بين الفريقين، نجد أن الفريق الثاني كان أنجح من الفريق الأول، كما هو الأمر في الموقف من مبادرة الرئيس الفرنسي ميتران. بيد أن التباينات بين الفريقين كانت لها بعض الأهمية قبل نهاية الحرب الباردة، أما بعد دخول العلاقات الدولية هذه المرحلة الجديدة وبعد الانتقال من النظام الدولي الثنائي القطبية إلى نظام دولي آحادي، لم يعد من مسوغ لاستمرار مجموعة الثماني التي كانت تولي العلاقات الأطلسية-العربية قسطاً واسعاً من اهتمامها. ومع انتقال الأولويات من الشرق الأدنى إلى الشرق الأقصى، بات من المفيد توسيع إطار لجنة الثماني بحيث يمكن أن تكون أداة لسياسات تخدم مصالح ذات بعد عالمي.
السؤال الكبير الذي يطرح ونحن على أبواب قمة هانغتشو هو: من المستفيد من قمة العشرين؟ هل يكون المستفيد هذه المرة المجتمع الدولي بسائر ألوانه وأطيافه؟ هل تستفيد دول بريكس الممثلة في مجموعة العشرين من هذه القمة؟ أم هل تستفيد منها نفس الدول والمصالح التي كانت وراء تشكيل مجموعة الثماني؟
الأرجح أن تبرز قمة العشرين، كما توقعنا أعلاه، كأداة لخدمة القوى الأطلسية إلا إذا فاجأتنا بكين بمبادرات غير محسوبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"