كيف تلعب “المعلمة” ميركل؟

02:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
قد يخيل للبعض أن المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" صحت فجأة لتشدد لهجتها إزاء روسيا فيما يتعلق بالعقوبات متأثرة بحادثة إسقاط الطائرة الماليزية . والحقيقة أن الدعوة المفتوحة التي أطلقتها المستشارة لفرض عقوبات على روسيا بدأت منذ مارس/آذار الماضي بعد أن سيطرت قوات روسية على جزيرة القرم في حادثة غزو بالقوة هي الأولى على صعيد القارة الأوروبية منذ 69 عاماً . ومنذ ذلك اليوم وميركل تعمل ليل نهار على إقناع ثلاثة أطراف تتبنى مواقف متناقضة من العقوبات، بأن أمن وسلام القارة أهم بكثير من المصالح الاقتصادية وأن قضايا الأمن والسلام تتطلب تضحيات مالية أوروبية .
الطرف الأول هو الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، أما الطرف الثاني فهو اللوبي الألماني من مجتمع المال والأعمال وجيش الشركات البالغ عددها 6200 شركة التي وضعت ألمانيا على رأس قائمة الشركاء التجاريين لروسيا . ولكن الطرف الثالث وهو الأكثر تعقيداً يتمثل في شركاء ألمانيا في الاتحاد الأوروبي خاصة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكل منها لديه لوبي أعمال عنيد في معارضته للعقوبات على روسيا . لقد أرست ميركل الخطوط العريضة لموقفها من العقوبات في خطاب حاد اللهجة ألقته أمام "البوندستاغ" في 13 مارس/آذار جاء فيه: "السمة التي غلبت على العلاقات البينية الأوروبية عبر القرون كانت الندية وتغير التحالفات والنزاعات الدموية المرعبة . والواقع أن هذا الرعب تم تجاوزه منذ نصف قرن من الاندماج الأوروبي الذي أسفر عن هذا السلم والحرية والازدهار ومعجزة الحدود الهادئة" .
وأوضحت ميركل أنه لا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة الأمريكية ولا روسيا يمكنها الانعزال عن العالم لأن في ذلك قتلاً للذات وموتاً محتماً عاجلاً أم أجلاً . "وما أقدمت عليه روسيا في القرم خرق غير مبرر للقانون الدولي" على حد تعبيرها .
أما محادثاتها الهاتفية المتكررة مع بوتين، وهي الزعيم الأوروبي الأوحد الذي يحتفظ بهذه الميزة في العلاقة مع روسيا، فركزت على أن أوروبا لن تذهب حتى نهاية اللعبة كما قد يظن . فالمصالح التجارية لن تقدم على مصالح القارة الأساسية المتمثلة في سيادة النظام والسلم ومعارضة أي تغيير في خريطة الحدود . وإذا كان الرئيس الروسي قد بدأ بتفكيك أوكرانيا فلا بد أن يكون رد القارة قاسياً من خلال العقوبات .
وربما كان بوتين محقاً بأن تلك العقوبات سوف تضر بالمصالح الألمانية، إلا أنها أوضحت له بأن ألمانيا أكثر قدرة واستعداداً للتضحية وأن روسيا سوف تتضرر أكثر بكثير .
أما رسالة ميركل لمجتمع الأعمال الألماني فكانت مطابقة لرسالتها للروس . فقد أصرت على ضرورة أن يكونوا جاهزين للتضحية التي أخبرت بوتين بأن ألمانيا جاهزة لتقديمها في حال إصراره على المضي في اللعبة حتى النهاية .
وقد شهدت الأشهر الأخيرة إعراب الكثير من رجال الأعمال الألمان من وراء الستار عن استعدادهم لتقديم التضحيات وأن قضية الأمن أهم من المصالح التجارية . وجاءت حادثة الطائرة الماليزية لتمنح ميركل نقطة إضافية على هذا الصعيد حيث أسفرت عن اجتماع هؤلاء على رأي موحد يتمثل في تقديم قضية الأمن على قضية المصالح .
إلا أن مهمة ميركل في إقناع الطرف الثالث أي مجتمع الأعمال في الدول الأوروبية الثلاث ستكون أكثر تعقيداً .
فالبريطانيون يواجهون ورطة في لجم تدفق ثروات الروس إلى بنوكهم وهناك من يقترح تشديد قوانين مكافحة غسيل الأموال . أما باريس فتواجه مشكلة في وقف تصدير اثنتين من حاملات طائرات الهليوكوبتر من طراز "ميسترال" إلى روسيا، في حين تواجه روما مشكلة في إلغاء اتفاقيات الطاقة التي تربطها بموسكو . لكن عندما يبدي رجال الأعمال الألمان استعدادهم للتضحية سيكون من الصعب على نظرائهم في الدول الثلاث الامتناع عن القيام بنفس الدور .
وعند هذه النقطة يكون إصرار بوتين على تنفيذ استراتيجيته الخاصة بأوكرانيا قد أسفر عن إغلاق آخر الأبواب أمام آخر فرصة له لوقف التصعيد في المواجهة بين الشرق والغرب وحفظ ماء وجهه . وكانت النتيجة دفعة جديدة من العقوبات الأشد بالتنسيق بين أوروبا والولايات المتحدة .
وقلل منتقدو سياسة العقوبات الأمريكية ومنهم بوتين، من شأن تلك العقوبات رهاناً على الموقف الألماني واستبعدوا موافقة ألمانيا على تلك العقوبات نظراً لارتهان الاقتصاد الألماني لإمدادات الطاقة الروسية .
إلا أن وجهة النظر هذه لم تأخذ في الاعتبار مناورة ميركل القائمة على عدم تسريع العقوبات بداية لتترك مساحة مناورة تسمح بتصعيدها عند الضرورة تاركة الكلام لبوتين دون الفعل الذي تركته لنفسها مع اختيار التوقيت المناسب .

بيث بوند
"فايننشال تايمز"

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"