هل استعادة تدمر نقطة تحول في الحرب السورية؟

04:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
مايكل وليامز

في السنوات المقبلة، قد يشير المؤرخون إلى استعادة السيطرة على مدينة تَدْمُر القديمة، في أعقاب الاعتداءات الوحشية التي ارتكبها تنظيم «داعش» في بروكسل يوم 14 مارس/آذار، وقبلها بطبيعة الحال في باريس، باعتبارها نقطة تحوّل في الحرب السورية الدائرة منذ خمس سنوات. ويخشى السكان الغربيّون والحكومات الغربية أكثر من أي وقت مضى، وقوع مزيد من عمليات القتل الجماعي في مدن أوروبا وأمريكا الشمالية، التي يقترفها تنظيم «داعش».
وبينما يجري تشديد إجراءات مكافحة الإرهاب في كل مكان، ينبغي التفكير على نحوٍ عاجل باستراتيجية غربية متماسكة إزاء أكبر تهديد تواجهه الديمقراطية منذ عقود. وكما كتب توني بلير في صحيفة «صنداي تايمز» يوم 27 مارس/آذار، فإن الغرب، من دون تلك الاستراتيجية، سوف يواجه على الأرجح «أعمالاً إرهابية دوريّةً، ولكنها أكثر تكراراً، ومن شأنها أن تؤدي إلى وقوع مزيد من الضحايا، وأن تبدأ بزعزعة استقرار تماسُكنا السياسي والاجتماعي».
وكان سُقوط تدمر، قبل أقلّ من عام، في مايو/أيار 2015، قد اعتُبر نصراً كبيراً لـ«داعش»، ونكسة كبيرة لحكومة الأسد. وفي استعادة السيطرة على المدينة، أفاد النظام السوري من التدخل العسكري الروسي الحاسم. وفي حين أن وحدات سلاح الجوّ الروسي الرئيسية المُشاركة قد سُحبت قبل أسبوعيْن، فإن من الواضح أن قوّة كبيرة قد بقيت، وأنها قادرة على أن تلعب دوراً حاسماً. فمِن دونها، ربما لم تُكسَرْ قبضة «داعش» على تدمُر.
وفي نتيجة ذلك، لعل مديونية الأسد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد ازدادت بدلاً من أن تتضاءل، وهو ما قد يكون لديه سببٌ للندم عليه فيما بعد. وعلى الرغم من ذلك، يبدو وضع الرئيس بشار الأسد في الوقت الحاضر، أقوى من أي وقت آخر منذ اندلاع الحرب عام 2011. وكما تُبيِّن المقابلة المميزة التي أجراها جيف غولدبيرغ مع الرئيس الأمريكي، في مجلة «اتلانتيك»، فإن مكافحة "داعش"، بالنسبة إلى باراك أوباما، تظلّ الأولوية المُلحّة. أمّا إطاحة الرئيس الأسد، فليست كذلك.
وفي المملكة المتحدة، كما في غيرها من الدول، يستمرّ الرأي البرلماني والرأي العام في التغير باطراد. والآمال المبكرة في أن يَلحق الأسد، بالمستبدّين في أوروبا الشرقية، من أمثال (الرئيس الصربي السابق)، سلوبودان ميلوسيفيتش، و(الرئيس الروماني السابق)، نيكولاي تشاوشيسكو، تبددت في مواجهة التحرك الروسي الحاسم في الدفاع عن الأسد، وفي غيابِ أي تدخّل أمريكي أو غربي جادّ، وما ترتّب على ذلك من إضعاف المعارضة الديمقراطية لحكومة دمشق. ويُضاف إلى ذلك التهديدُ المتزايد للغرب، الذي يشكله تنظيم "داعش" العنيف والحقود. وفي ظل هذه الظروف، يملك الغرب عدداً قليلاً من الخيارات اللائقة في سوريا.
فما أثر ذلك في عملية السلام في سوريا؟ من المستبعَد جدّاً أن يتخلى نظام الأسد، المتحصِّن وراء مكاسبه العسكرية، والمعرَّض للضغط الروسي، عن محادثات جنيف. وموسكو حريصة على إبقاء علاقتها مع واشنطن في حالة جيّدة، وهو شعور تُبادِلها أكثرَ منه الولاياتُ المتحدة، التي أمضى وزير خارجيتها، جون كيري للتوِّ، ثلاثة أيام في موسكو، خلال زيارته الثالثة في غضون 12 شهراً. ولم يَلتقِ كيري نظيره وزير الخارجية سيرغي لافروف وحسب، بل بالرئيس بوتين أيضاً. وكانت سوريا القضية الرئيسية على جدول الأعمال.
ومن الجليِّ أن للبلديْن مصلحة كبيرة في الحفاظ على الوقف الحالي للأعمال العدائية، إضافة إلى رؤية تقدم في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف. وعلاوةً على ذلك، يدرك الرئيس أوباما، في السنة الأخيرة من ولايته، أنه لا يطيق أن يُنفّر الرئيس بوتين، إذا كان له أن يُحرز تقدّماً حقيقياً في القضايا الحاسمة على جدول أعماله، مثل عملية السلام السورية، ومكافحة «داعش».
وكما قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف معلّقاً بعد آخر زيارة له للولايات المتحدة، فإن تَواتُر زيارات كيري لموسكو لا سابق له. وقال، «ينبُع مِن طبيعة القضايا التي نناقشها، ومن إقرار الولايات المتحدة، على الرغم من تصريحاتها العلنيّة، أنَّ عدداً من المشكلات الدولية الرئيسية والمهمة، لا يُمكن أن تُحلَّ من دون روسيا».
وقد اختُتِمتْ الجولة الأخيرة من محادثات السلام السورية، في جنيف يوم 24 مارس/آذار التي كانت افتُتِحت في 14 منه، بورقة تتناول 12 نقطة من الأمور المشتركة، جرى تسليمها إلى الطرفين لإجراء مزيد من الدراسة. ويأتي على رأس القائمة، مبدأ احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي سوريا وسلامتها، وأنه «لا يجوز التنازل عن أي جزء من التراب الوطني». وقد أصرّت روسيا في الوقت ذاته، على أن المفاوضات المقبلة ينبغي أن تضْمن وجود تمثيل متساوٍ للأكراد، بينما ينبغي على المعارضة السورية أن تتبنى موقفاً أكثر واقعيةً، وأن تتخلى عن محاولات وضع شروط مسبقة.
إن استعادة السيطرة على تَدْمُر، وهجمات «داعش» على الغرب، والتعاون الأمريكي- الروسي الوثيق، عززت احتمالات إحراز تقدّم عندما تُستأنف محادثات الأمم المتحدة في جنيف في الأسابيع المقبلة. والطرف الوحيد الذي شهدتْ فُرَصُه تضاؤلاً ملحوظاً، هو المجلس الوطني السوري. وتتمثل المسؤولية التي تقع على عاتق الولايات المتحدة، وعلى عاتق الأمم المتحدة كذلك، في التأكد من أن السلام، لا يعني العودة إلى الوضع الذي كان قائماً.

نائب سابق للأمين العام للأمم المتحدة، وستشار خاص سابق لثلاثة من وزراء الخارجية البريطانية.
موقع: تشاتام هوس

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"