هل تقع حرب بين أمريكا وروسيا؟

01:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
باتريك بوكانان*

هل يمكن أن تؤدي الأفعال وردود الأفعال بين روسيا والولايات المتحدة في أوكرانيا، إلى مواجهة تفضي إلى حرب بين البلدين؟
هذا التساؤل، يشكل موضوع غلاف مجلة "ذي ناشيونال انترست" الأمريكية المعنية بالشؤون الخارجية، (في عددها المقبل) وقد طرحه غراهام أليسون، (وهو عالم سياسي أمريكي، وأستاذ في جامعة هارفارد)، وديمتري سايمز (رئيس مركز ناشيونال انترست، وناشر المجلة المذكورة) .
إن احتمالات حدوث تصادم عسكري بين أعظم قوتين نوويتين في العالم، تتزايد وستكون أوكرانيا ساحة ذلك الصراع إذا وقع .
إن كندا سوف ترسل مئتي جندي إلى غربيّ أوكرانيا للانضمام إلى 800 أمريكي و75 بريطانياً، في مهمة تستغرق عاماً كاملاً لتدريب الجيش الأوكراني .
وتدريب ذلك الجيش لمحاربة مَن؟ المتمرّدين الموالين لروسيا في أوكرانيا، الذين قال بوتين إنهم لن يُسْحَقوا، حتى لو اقتضى ذلك تدخّلَ روسيا . يقول بوتين، "إننا لن نسمح لذلك بأن يحدُث" .
فما هي القوى التي تجعلنا "نسير نحو الحرب بخطىً متعثرة"؟
من جانبنا، هنالك الرئيس أوباما الذي "يستمتع بمحاولة إذلال بوتين" و"يدرج روسيا بصورة متكررة، في قائمته للبلايا الحالية، جنباً إلى جنب مع "داعش" ومرض إيبولا" .
ثم هنالك ما يدعوه جاكوب هيلبروم، محرر مجلة "ذي ناشيونال انترست"، "النزعة المشاكسة" التي غدت "المحرك الرئيسي لسياسة الجمهوريين الخارجية" . فهنالك الآن "فريق ثملٌ بالانتصار"، تفوح منه رائحة الفريق الذي كان يحيط ببوش الثاني، الذي تخيل الحرب نزهة مسلية، وهذا الفريق هو المسيطر الآن، وهو يدفعنا نحو المواجهة .
ولكن هذه العقلية الأمريكية، تقابلها صورة مطابقة لها تماماً في موسكو، و"ليس بوتين الأشدّ تطرفاً بين المتطرفين"، "فالمؤسسة الروسية . . تُصنف بمعسكر براغماتي- هو المهيمن في الوقت الحالي، بفضل دعم أساسي من بوتين- و"معسكر متشدّد"، وهو الذي يدعوه مستشار بوتين معسكر "المتهورين" .
ويعتقد المتهورون بأن السبيل إلى الردّ على التجاوزات الأمريكية هو استحضار عقيدة يوري اندروبوف، (الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي عام 1982)، التي تقوم على "تحدّي العدوّ الرئيسي"، والتلويح بالأسلحة النووية لترويع أوروبا، وشقّ صفّ حلف الناتو .
ويُقال إن الرأي العام الروسي، يتحرك باتجاه المتهورين . وقد باتت القاذفات الرّوسية تخرُق المجال الجوّي لحلف الناتو بصورة متكررة . ويقول بوتين إنه كان على أهبة الاستعداد لوضع القوات النووية في حالة تأهب في شبه جزيرة القرم . وقد حذّرَ السفيرُ الروسي في الدنمارك كوبنهاغن قائلاً، إن سفنها إذا انضمّت إلى قوة الدفاع الصاروخي التابعة لحلف الناتو، فقد تُستهدَف الدنمارك بأسلحة نووية .
وفي التمرينات الحربية المقبلة، سوف تحرّك روسيا صواريخ اسكندر إلى داخل جيب كالينينغراد على بحر البلطيق على الحدود الشمالية لبولندا .
وقد ذكر مدير شبكة "روسيا سيغودنيا" التلفزيونية، "أن روسيا هي البلد الوحيد في العالم القادر فعلياً على تحويل الولايات المتحدة إلى رمادٍ مُشِعّ" . ومن الآن فصاعداً، فإن "البراغماتيّين" الذين يمثلهم وزير الخارجية سيرغي لافروف، لهم اليَد العليا . وهم يعتقدون بأن روسيا، ما زالت قادرة على أن تتعامل تجارياً مع الولايات المتحدة وأوروبا .
أمّا "المتهورون" فيتخذون وجهة النظر المخالفة، كما كتب مؤلفا المقالة، "وهم يجادلون قائلين إن حلف الناتو عازم على الإطاحة ببوتين، وإلحاق الهزيمة بروسيا، وربما تمزيقها" .
وقد رَسَم بوتين في أوكرانيا، خطّين أحمرين، هما أنه لن يسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو . ولن يسمح بسحق المتمردين .
والمتشددون الروس واثقون من أن روسيا، إذا اضطرّت إلى الحرب في أوكرانيا، فسوف تملك زمام ما أطلق عليه استراتيجيّو الحرب الباردة وصف "الهيمنة على التصعيد" . وذلك ما ملك زمامَه جون إف كِنيدي في أزمة الصواريخ الكوبية- وهو التفوق التقليدي والنووي في البرّ والبحر والجوّ حول كوبا .
ومع سهولة الدّخول الى أوكرانيا بالنسبة إلى القوات الروسية، عن طريق المواصلات البرّية والسكك الحديدية، والبحر والجوّ، ومع قُرب المسافة للجيش الروسي الذي يقف على الحدود تماماً، بينما تبعُد القوات العسكرية الأمريكية عن أوكرانيا بمقدار قارّة، فإن المتشددين الروس يعتقدون بأن روسيا ستخرج ظافرة في حال وقوع حرب، وأن أمريكا سوف تضطر إلى الاختيار بين قبول الهزيمة في أوكرانيا، أو التصعيد واستخدام الأسلحة الذرية التكتيكية .
والروس يتحدثون عن اللجوء إلى مثل تلك الأسلحة أولاً . والتاريخ الحاسم، الذي سيظهر فيه القرار الذي سيتخذه بوتين للسير في أحد السبيلين، قد يتضح خلال هذا الصيف، و"سوف يحاول بوتين استغلال انقضاء مدة عقوبات الاتحاد الأوروبي، التي من المقرّر أن تنتهي في يوليو/تموز . ولكن، إذا ما فشل ذلك، وانضم الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية إضافية مثل استبعاد موسكو من منظومة "سويفت" للتعاملات المالية والمصرفية- (التي تتيح تنفيذ التحويلات المالية المتبادلة بين البنوك العالمية إلكترونيّاً)- فقد يميل بوتين إلى الردّ، لا بالتراجع بل بإنهاء كل تعاونٍ مع الغرب، وتعبئة شعبه ضد خطر جديد و"ماحق" يتهدد "الأمّ روسيا" .
وفي الوقت الحالي، يبدو أن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في اتفاق "مينسك- 2" في فبراير/شباط لا يزال متماسكاً . وقد أبعَد كل من الجيش الأوكراني والمتمردين الموالين لروسيا أسلحتهم الثقيلة عن خط الهدنة، وإن كانت قد وقعت اشتباكات وإصابات .
ولكن، مع بقاء أزمة أوكرانيا من دون حل، تبقى الأسئلة التالية مطروحة:
هل ستُدرب الولايات المتحدة الجيشَ الأوكراني ثم تعطيه الضوء الأخضر لشن هجوم لاستعادة المقاطعات التي يسيطر عليها المتمرّدون؟ وهل ستتدخل روسيا وتدحر ذلك الجيش؟ وهل سيقف الأمريكيون مكتوفي الأيدي، إذا حاقت الهزيمة بمَن دربوهم من الأوكرانيين، وخسروا المزيد من الأراضي الأوكرانية؟
أم سنبدأ التصعيد لحرب مع روسيا، قد لا يُرحّب بها اليوم سوى القليل من الأوروبيين، ولكنها قد تلقى الترحيب من بعض الأمريكيين والروس؟

* مؤلف ومرشح أمريكي سابق للرئاسة (موقع انتي وور)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"