هل عادت روسيا إلى النوم مجدداً؟

03:48 صباحا
قراءة 4 دقائق

في غضون ستة أشهر فقط، منذ نهاية سبتمبر/ أيلول 2011 إلى مارس/ آذار ،2012 تحولت روسيا . وأخيراً، تسبب التحلل التدريجي للدولة الناجم عن سعيها المنحرف إلى استغلال الموارد واستباحة المنافع العامة في دفع مواطني روسيا، وخاصة شبابها المنتمين إلى الطبقة المتوسطة التي نشأت في مرحلة ما بعد الشيوعية، إلى النزول إلى الشوارع . والآن أفسح احترام الزعماء الأبويين في الحقبة السوفييتية المجال أمام الثقة في النفس وعدم الثقة في السلطة القائمة .

ولكن هل حدث هذا حقاً؟ الواقع أن فلاديمير بوتين ونظامه الذي فاجأته احتجاجات الشتاء الماضي الحاشدة، كان على وشك الاستسلام للذعر . ولكن بعد أن أعادت انتخابات الشهر الماضي الرئاسية بوتين إلى منصب الرئاسة، خفتت حركة الاحتجاج بسرعة . فقد تقلصت الجماهير المحتشدة إلى عُشر حجمها السابق . وبعد فشل توقعات النجاح الفوري، تراجع الدافع الرومانسي . وكان من الواضح ماذا يتعين علينا أن نفعل في مواجهة التزوير الانتخابي، أما ماذا يتعين علينا أن نفعل لاحقاً بعد الهزيمة، فلم يكن على نفس القدر من الوضوح . فلم يعد بوسع قادة الاحتجاجات صياغة أية أهداف أو شعارات .

وفضلاً عن ذلك، بدأت السلطات بين الانتخابات البرلمانية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والانتخابات الرئاسية في مارس/آذار في الإمساك بزمام المبادرة . فقد اقترح الرئيس دميتري ميدفيديف، الذي حفظ لبوتين منصبه لحين عودته إليه، تطبيق إصلاحات سياسية، وبدأ في عقد لقاءات مع ممثلي الأحزاب المعارضة، وهو ما كان له تأثير مخفف أيضاً لاحتقان الجماهير المحتشدة .

لا شك أن السلطات نظرت إلى تراجع النشاط في الشارع باعتباره انتصاراً لها، وهو الانتصار الذي سعت إلى ترسيخه على الفور باستخدام قوات الأمن لقمع أي احتجاجات في المستقبل . كما تجاهلت المحاكم التي نظرت في مزاعم تزوير نتائج الانتخابات عموماً الأدلة الواضحة على المخالفات القانونية . ويرى العديد من المراقبين أن حركة الاحتجاج لاقت هزيمة واضحة .

ولكن النخبة الحاكمة للبلاد لم تحرز انتصاراً حقيقياً، ولم يُهزَم المجتمع . فقد عكست الاحتجاجات تغيرات لا رجعة فيها . فقد تحول المجتمع الروسي إلى غابة جافة تنتظر الشرارة التي ستشعلها .

بالطبع، كانت الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة أشبه بذلك النوع من المحاكاة الذي كان من دعائم حكم بوتين . ولكن في حين تحاول السلطات تخفيف مبادراتها الخاصة على سبيل المثال، استئناف انتخابات حكام الأقاليم، أو إزالة الحواجز التي تعوق تسجيل الأحزاب، أو تأسيس التلفزيون العام المستقل فإنها في واقع الأمر وفرت فرصاً جديدة للمشاركة السياسية .

ولكن ما يحدث في المجتمع الروسي أكثر أهمية . ففي موسكو، تزامنت الانتخابات الرئاسية مع انتخاب رؤساء البلديات . كما سعى أهل في السلطة، الذين يستبد بهم القلق خشية تنفير الناخبين، على نحو متزايد إلى إخفاء انتمائهم إلى حزب بوتين (حزب روسيا المتحدة) . ولقد اجتذبت الانتخابات البلدية، التي كانت في ما سبق محل تجاهل واسع النطاق، أعداداً كبيرة من المتعلمين والشباب الناشطين أول جيل غير خاضع للحزب في تاريخ روسيا الذين لم يشكلوا تحدياً لشاغلي المناصب فحسب، بل وفازوا بها أيضاً .

إن هذه العملية التي جرت من الأسفل إلى الأعلى تشكل أهمية بالغة بالنسبة لمستقبل روسيا . وموسكو ليست المثال الوحيد . ففي العديد من المدن الروسية، فازت المعارضة في انتخابات مجالس المدن . وفي أستراخان، حيث خسر مرشح المعارضة بسبب التزوير الواسع النطاق، تزايد حجم الاحتجاجات إلى عشرة أمثاله، وأثارت الفضيحة حفيظة البلاد بالكامل . وفي الوقت الحاضر، يسافر زعماء المعارضة من موسكو وأماكن أخرى إلى مختلف المدن للانضمام إلى الاحتجاجات أو العمل كمراقبين للانتخابات .

ومن الأهمية بمكان أن يزيد هذا النشاط . عندما سُئِل ميدفيديف، في مقابلة أجريت معه مؤخراً عن مصير نظام بوتين-ميدفيديف، أجاب قائلاً: الأمر يحتاج بعض الهدوء الآن، لأن هذا الترادف سوف يستمر لفترة طويلة . ولكن في حين يستمر هذا الترادف في تحقيق إنجازه الرئيسي (الاستقرار)، فإن المغزى الحقيقي منه الآن يتمثل في قدرة النظام على البقاء في السلطة لفترة طويلة .

من الصعب أن نتكهن بمصير هذا النظام الذي يتسم بضيق الأفق . ولكن ما نستطيع أن نجزم به عن يقين هو أن روسيا الديمقراطية فقط القادرة على البقاء والاستمرار ضمن الحدود الحالية للبلاد . والبديل للديمقراطية هو الانهيار، على نحو لا يمكن التنبؤ به وبلا رحمة . ومن حسن الحظ أن يقظة المجتمع الروسي، والتوسع الجغرافي للمعارضة السياسية، وظهور جيل جديد غير مقيد بأصفاد العادات الذهنية والسلوكية السوفييتية، كل ذلك أعطى البلاد فرصة للإصلاح الديمقراطي الحقيقي الذي دُفِن بفضل 12 عاماً من البوتينية .

ولكن روسيا لن تختار بين البوتينية والديمقراطية فحسب . ففي وسط المحاولات التي يبذلها لضمان الاستقرار، يعمل النظام على إيقاظ القوى التي لن يتمكن من السيطرة عليها . ذلك أن مشاعر مثل النعرة القومية ورُهاب المثلية الجنسية، التي نجح بوتين وميدفيديف في تحريكها ضد الموجة الليبرالية تشكل عليهما خطراً أعظم والخطة التي رسماها لتبادل المناصب فيما بينهما لأجل غير مسمى من الليبراليين واليساريين .

والآن قد تسلك روسيا مساراً من ثلاثة مسارات: الديمقراطية، التي من شأنها أن تحفظ البلاد وتضمن الازدهار والرخاء لمواطنيها، أو طريق البوتينية المسدود، أو موجة معربدة من القومية الظلامية . ومن المؤكد أن أياً من السيناريوهين الأخيرين من شأنه أن يزيد إلى حد كبير من احتمالات تفكك روسيا في نهاية المطاف .

مدير مؤسسة علوم المعلومات من أجل الديمقراطية، والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"