“إسرائيل” وتطور الوظيفة الإقليمية

03:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . حسين حافظ
منذ قضية دريفوس الضابط اليهودي الفرنسي المتهم بالجاسوسية لصالح ألمانيا عام ،1894 تلك القضية التي تركت أثراً بالغ المرارة في نفسية ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في ذلك الوقت لدرجة أنه اكتشف عقم محاولة اندماج اليهود في المجتمعات الغربية، فتبنى إثر ذلك الحل الصهيوني بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين . ومنذ تلك الحادثة والدول الغربية مجمعة على ضرورة التعامل مع اليهود بوصفهم مجتمعاً ذا خصوصية استثنائية على المستويين الديني والقومي . فهم لا يبدون حرصاً وطنياً حيث يتواجدون، وليسوا ذوي ميول لفكرة الاندماج الاجتماعي بل إن سمة "الغيتوهات" ظلت ملازمة للمجتمعات اليهودية اينما وجدت . لذلك كان الوعد البريطاني بإنشاء دولة "إسرائيل" في الربع الأول من القرن الماضي قد تلازم مع الشعور الغربي والحساسية المفرطة المتبادلة بين المجتمعات الغربية وسواها من "الغيتوهات" اليهودية، لذلك تلازمت فكرة الدولة اليهودية مع فكرة الخلاص من تلك "الغيتوهات" عالية التكلفة اجتماعياً وسياسياً .
تم تحديث وظيفة "إسرائيل" بعد الحرب العالمية الثانية وتحديداً بعد إعلان الدولة اليهودية عام ،1948 بجمع شتات اليهود في العالم والخلاص مما كان يروج حول محارق اليهود في ألمانيا، وأصبح استقطاب اليهود في العالم هو الوظيفة التي اضطلعت بها "إسرائيل" منذ تأسيسها إلى يومنا هذا .
إلا أن تلك الوظيفة لم تحقق القدر الكافي من التخادم الغربي الصهيوني، فتحولت "إسرائيل" بموجب ذلك من دولة معنية بشؤون المنطقة المنتمية إليها الى دولة خادمة للمصالح الغربية بغض النظر عن حجم الأضرار التي تلحق بدول المنطقة جراء ذلك التخادم . وتكشف الكثير من الوثائق أن بدايات الدور الوظيفي "الإسرائيلي" تعود الى العام ،1950 أي بعد نشوء "إسرائيل" بعامين فقط وفق الوثائق السرية بين وزير الدفاع الأمريكي جورج مارشال ووزير الخارجية "الإسرائيلي" موشي شاريت، وقد استمرت الجهود الصهيونية حتى أثمرت في العام ،1981 أي بعد أحد وثلاثين عاماً من السعي المتواصل عن اتفاق رسمي مكتوب بين الطرفين بالتفاهم الاستراتيجي وذلك في زمن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان الذي كان يعتقد بأن سياسة الانفراج التي اتبعها الرئيس نيكسون قد أحدثت خللاً في ميزان القوى لصالح الاتحاد السوفييتي، كما انه يعتقد بأن أي نزاع إقليمي مهما كانت درجة خصوصيته وبعده السياسي والجغرافي سببه الإتحاد السوفييتي، لذلك فهو ينظر الى الحركات القومية التحررية على أنها حركات إرهابية شيوعية، وكان على "إسرائيل" أن تطور وظيفتها الإقليمية بما ينسجم مع المخاوف الأمريكية ومواجهة النفوذ السوفييتي في المنطقة . وقد ترافق هذا الدور مع التغيير الذي حصل في إيران وما أعقبه من حرب إقليمية بين العراق وإيران كان فيها ل"إسرائيل" الدور البائن إذ تكفلت بضبط إيقاع تلك الحرب وخلق نوع من التوازن بين العراق وإيران، وكان إقدامها على ضرب المفاعلات النووية العراقية عام ،1981 جزءاً من لعبة التوازن وحرمان العراق من إمكانية إمتلاك سلاح رادع يمكن ان يؤدي إلى انتصار نوعي عراقي والفوز في تلك الحرب .
إلا ان أخطر الوظائف الإقليمية "الإسرائيلية" هو ما أسهم به النظام العراقي السابق من غزوه الكويت ووضع العراق تحت طائلة البند السابع، إذ تم بموجب ذلك تدمير معظم الأسلحة العراقية فائقة النوعية بموجب القرارات الدولية والتي كانت تخشاها "إسرائيل" حفاظاً على أمنها الوطني، ولذلك حرصت ليس على تدمير أسلحة العراق النوعية بل تدمير جيشه الذي إمتلك خبرة قتالية مميزة وكان لها ما أرادت بعد عام 2003 عندما أقدمت الولايات المتحدة على إحتلال العراق وتدميره .
اليوم تطورت الوظيفة الإقليمية ل"إسرائيل" في ظل تطور طبيعة الصراع في المنطقة الذي انتقل من صراع دولي إلى محلي تقوده الميليشيات المسلحة المدعومة بقوى خارجية أبرزها "إسرائيل" التي حرصت على تغذية هذا الصراع وديمومته، وبما يفضي إلى خريطة سياسية جديدة للمنطقة تدوم فيها الصراعات المحلية إلى أجل غير مسمى كي تبقى "إسرائيل" بمنأى عن أي تهديد إقليمي مهما بلغ التمادي الصهيوني الحدود القانونية والأخلاقية والإنسانية في التعامل مع المجتمع الفلسطيني والعرب على حدٍ سواء .
لذلك فإن سياسة العبث بمستقبل وأمن شعوب المنطقة من قبل "إسرائيل" هدفه فرض واقع جديد في العلاقات الصهيونية - العربية، والعبث بأمن واستقرار المنطقة العربية إلى أجل غير مسمى .
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"