“الغاز” لغة القرن الحادي والعشرين

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
شركة "غازبروم" هي السلاح الذي صنعه وطوَّره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستعادة مكانة بلاده على المسرح العالمي، ولإحكام السيطرة على الاقتصاد الأوروبي الذي يزداد اعتماداً على الغاز (الصديق للبيئة) .
سنة ،1995 حدَّد بوتين الخطوط والمعالم الاستراتيجية لشركة "غازبروم"، وبدا مشروعا "السيل الشمالي" و"السيل الجنوبي" مدار الاهتمام الاستراتيجي للكرملين، الذي أدرك أنَّ "الطاقة"، وفي مقدَّمها "الغاز"، هي "لغة القرن الحادي والعشرين" .
أدركت القوَّة العظمى في العالم، أيْ الولايات المتحدة، المعاني والمخاطر الاستراتيجية للمشروعين الروسيين، فشَرَعَت تُعِد العدَّة لمشروعها الموازي، المنافِس، والمضاد، الذي يُدْعى "نابوكو"، أو خط "باكو تبليسي جيهان"، ففي هذه النقطة مدار الصراع بين روسيا والولايات المتحدة تَكْمُن الملامح السياسية الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين، الذي تجتهد الولايات المتحدة في جَعْلِه قرنها .
رأت موسكو في مشروع "نابوكو" دليلاً بَيِّناً على عزم الولايات المتحدة على بسط هيمنتها على غاز البحر الأسود وغاز أذربيجان، فسارعت إلى التأسيس ل "تكتُّل شنغهاي"، الذي نواته تحالفها مع بكين . ويتسلَّح هذا "التكتُّل" بمشروعي "السيل الجنوبي" و"السيل الشمالي" للسيطرة على منابع الغاز، وعلى أوروبا، من ثمَّ .
كان ينبغي لمشروع نابوكو أنْ يسبق المشروعين الروسيين، وأنْ يخرج إلى الوجود سنة 2014؛ لكنه تأخرَّ إلى سنة ،2017 فجرت الرياح بما تشتهي سفينة روسيا، أيْ أنبوبها .
عَيْن الولايات المتحدة الآن على الغاز الإيراني، وعلى الغاز في لبنان وسوريا، فسوريا ولبنان، وباحتياطهما من الغاز، هما الآن مدار صراع بين موسكو وواشنطن، ولقد اشتد هذا الصراع إذْ سمحت سوريا بمرور الغاز الإيراني إليها عَبْر العراق .
وعلى أهمية احتياط الغاز في شرق المتوسط (لبنان وسوريا و"إسرائيل") يبقى غاز إيران مدار الصراع الأشد بين موسكو وواشنطن، ولقد استفزَّت طهران واشنطن كثيراً إذْ اتَّخَذَت من العراق وسوريا ممراً لغازها .
مِنْ قَبْل، نظرت الولايات المتحدة في الطريقة الفضلى لوضع يدها على الاحتياط الهائل للنفط والغاز عند العرب، الذي يبعد عنها آلاف الأميال من مياه البحار والمحيطات، فجاء وزير نفطها، بعد حرب "عاصفة الصحراء" ليقترح "استئجار النفط" كما يُستأجر أي عقار . وبحسب هذا الاقتراح، تَضُخُّ بعض الدول العربية "فائضاً نفطياً"، يُنْقَل إلى أراضي القوَّة العظمى في العالم، ليُخزَّن فيها، ويبقى هذا "العقار من النفط" مملوكاً لهذه الدول من الوجهة القانونية، أمَّا "المستأجر (وهو الولايات المتحدة)" فيدفع إيجاراً سنوياً . أمَّا اليوم فالولايات المتحدة، وبفضل "ثورة النفط والغاز الصخريين" التي تشهدها الآن، ستغدو، بحلول سنة ،2035 مكتفية ذاتياً من الطاقة، وستَفْقِد مصادِر الطاقة الخليجية العربية، من ثمَّ، أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى القوَّة العظمى في العالم .
الولايات المتحدة تُحْكِم الآن قبضتها (الاستراتيجية) على "أوروبا الجديدة"، أيْ على دول أوروبا الشرقية التي تريد لها القوَّة العظمى في العالم أنْ تكون "حاجزها الجيو استراتيجي" بين روسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي، والموضع الذي منه تمارِس ضغوطها الاستراتيجية على الطرفين، أيْ على روسيا والاتحاد الأوروبي . وتريد الولايات المتحدة لهذا "الحاجز" أنْ يكون متَّصِلاً متَّحِداً مع "حاجز جيو استراتيجي آخر (لها)" في آسيا الوسطى، حيث الثروة النفطية الهائلة في بحر قزوين، الذي منه تمتد خطوط أنابيب النفط والغاز إلى "أوروبا القديمة"، أيْ إلى أوروبا الغربية .
مشروع "نابوكو" هو حربٌ على "الترسانة الغازية لروسيا"، وحرب من أجل تحرير "أوروبا القديمة" من "الهيمنة الغازية الروسية"، لغزوها بالغاز الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة . وفي هذه اللعبة الاستراتيجية العظمى، تتمتَّع إيران (وهي من الدول الكبرى نفطياً وغازيَّاً) بموقع جيو استراتيجي في منتهى الأهمية،
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"