عادي

روسيا والعنف المتزايد في شمال القوقاز

02:06 صباحا
قراءة 5 دقائق

عندما يتحدث زعماء روسيا عن المخاطر الأمنية، يعمدون إلى ذكر توسع حلف الناتو، وبرنامج الدفاع الصاروخي في أوروبا الشرقية . ولكن العنف المتواصل في منطقة شمال القوقاز الروسية - وهي شريط من الأرض يقع بين البحر الأسود وبحر قزوين، معظم سكانه مسلمون منذ استولت الإمبراطورية الروسية على أراضيهم في القرن التاسع عشر- يدلّ على وجود مخاطر شديدة كامنة داخل روسيا ذاتها، كما يقول تشارلس كينغ الأستاذ في جامعة جورج تاون، وراجان مينون، الأستاذ في جامعة ليهاي، في مجلة فورين افيرز، (عدد يوليو/ تموز، وأغسطس/ آب 2010)، وصحيفة نيويورك تايمز، (23/6/2010) .

شهدت روسيا على مدى العقد الماضي هجمات إرهابية صاعقة، وكان العنف إمّا واقعاً داخل منطقة شمال القوقاز، أو نابعاً منها . واشتملت تلك الحوادث الفظيعة على احتجاز جمهور النظارة في أحد المسارح المزدحمة في موسكو، وقتل مئات التلاميذ في مدرسة في جنوب روسيا، وإخراج قطارات سريعة عن خط سيرها بين موسكو وسانت بطرسبيرغ، وإسقاط طائرتي ركاب، وتفجيرات انتحارية عديدة في الميدان الأحمر، وفي محطات قطارات الأنفاق في موسكو .

وقد حَدَت خطورة المشكلة بالرئيس ديمتري ميدفيدف إلى وصف هذه الحرب الأهلية الخفية بأنها أهم مشكلة سياسية داخلية في روسيا .

ويقول الكاتبان إن عمليات إطلاق النار، وتفجيرات القنابل، والعمليات الانتحارية والمنازعات بين القوميات المتناحرة تمتد الآن متجاوزة منطقة القتال القديمة في الشيشان . ففي الجمهوريات المجاورة، داغستان، وإنغوشيتيا، وأوسيتيا الشمالية، وكاباردينو - بالكاريا، بات العنف اليوم شأناً يومياً . وقد أعلن المسؤولون في وزارة الداخلية الروسية هذا الربيع أن الجريمة الإرهابية في القوقاز الشمالي، ارتفعت بنسبة 60% في سنة 2009 عمّا كانت عليه سنة ،2008 ويُنذر صيف 2010 بأنه لن يكون أقل دموية .

ويقول الكاتبان إن موسكو حائرة إزاء حلّ المشكلة مع انتشار العنف . وقد لجأت ادارة ميدفيدف إلى أساليب الإمبراطورية الروسية في التعامل معها، فحاولت رشوة المسؤولين في الأقاليم، ونشر المزيد من الجنود ورجال الشرطة لمحاربة العناصر الهدامة . ولكن نجاح مثل هذه الاستراتيجية يعتمد على حسن نوايا النخب المحلية، وعلى ضَعف خصومها . وهي لا تنفع موسكو إلاّ في تأجيل المشاكل الكامنة في المنطقة من دون أن تحلها، وبخاصة، مشاكل البطالة، والفساد المستشري، واستبداد حكومات الأقاليم .

ويقول الكاتبان، إن النخب المحلية التي تعتمد عليها موسكو في السيطرة على القوقاز، تتكون من طغاة مستبدّين؛ فرئيس الشيشان القوي، رمضان قديروف، يجمع بين القسوة والمداهنات الاقتصادية . ولكنّ العنف لم يتوقف، على الرغم من الشروع في إعادة بناء الاقتصاد الشيشاني ،2009 عندما أمرت روسيا بوقف حربها الدائرة في تلك الجمهورية منذ زمن طويل .

وحين ضاقت موسكو ذرْعاً بالفساد ووحشية الشرطة في إنغوشيتيا، أقالت رئيسها، مراد ضيازيكوف، وعينت يونس بيك يفكوروف، الأصغر سنّاً والأكثر شعبية . ولكن إنغوشيتيا تردّت في سنتين من أعمال الشغب وتفجيرات السيارات، مما جعلها المكان الأخطر في روسيا .

وفي تحليل أسباب هذا الوضع في المنطقة، يقول الباحثان: في غمار القلق والعَوَز، يفزع البعض في شمال القوقاز إلى الإسلام طلباً للسلوى . ويأخذ التدين هنالك أشكالاً عدة، تتراوح بين لجوء بعض الشباب من الرجال والنساء إلى تدارس القرآن وتدبُّر معانيه بطريقة مسالمة، وبين الذهاب إلى الغابة، وهي الكناية التي تُستخدَم للدلالة على الانضمام إلى المقاتلين من أجل إنهاء الحكم الروسي، وإقامة إمارة إسلامية في المنطقة .

ولكنّ خطاب روسيا القائم على إرجاع أسباب الاضطرابات إلى متطرفين محليين، ومتآمرين أجانب مثل حركة القاعدة، مبني على حكم خاطئ على الأمور . فروّاد المسجد في شمال القوقاز، ليسوا بالضرورة أناساً يَغلون بالحقد، بل هم أقرب إلى شباب يَنشُدون قسطاً من السكينة الروحية، بسبب حياة شخصية تعيسة، أو آفاق وظيفية مسدودة .

ومع ذلك، عندما يعود بعضهم إلى الوطن بعد سفره إلى تركيا للعمل، أو إلى مصر للدراسة، يتعرضون للمضايقة، وحتى للقتل، على أيدى الأجهزة الأمنية المحلية، التي تفترِض أنهم تشرّبوا العنف حين كانوا في الخارج . وقد انضم عدد غير قليل منهم إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة نتيجة لهذه المعاملة، بينما فعل آخرون ذلك انتقاماً لاختطاف أو قتل بعض أقاربهم .

ويقول الباحثان، إن مستقبل شمال القوقاز يعتمد على إمكانية اكتسابه مكانة مساوية ضمن الاتحاد الروسي، وتمتعه بحكمٍ أفضل، وآفاقٍ اقتصادية أرحب . وما دامت الدولة الروسية تعتمد على العملاء، والحكام المستبدين، والقوة لفرض النظام، فسوف تؤول الأمور في المنطقة إلى ما كانت عليه في العهد القيصري، وهو الضمّ القسري المحفوف بالمتاعب . وفي هذه الحالة، سوف يتواصل العنف الناشئ في شمال القوقاز، حتى يبلغ قلب الأراضي الروسية .

وعن مثل هذا الحل الذي يراه الباحثان، كتبت صحيفة جورجيان ديلي، الجورجية، (2/7/2010)، أن استراتيجية بعيدة الأمد لمنطقة شمال القوقاز، التي تضم الشيشان، وغيرها من المقاطعات الفقيرة، الإسلامية في غالبيتها، سوف تُعلن عندما يجتمع الحزبُ الحاكم لرئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، في المنطقة الأسبوع المقبل .

وقالت الصحيفة إن مسودة الخطة التي وضعها الكرملين، تُحذر من أن الإرهاب والتوتر العرقي سوف يلازمان المنطقة الروسية سنواتٍ طويلة قادمة، إذا لم يتم ضخّ دفعة ضخمة من الاستثمارات فيها .

وتضيف الصحيفة، أن روسيا لا تزال تكافح من أجل إخماد التمرد الإسلامي المتنامي، والقضاء على الهجمات المتكررة على رجال الشرطة والمسؤولين في القوقاز، بعد عِقد من سيطرتها على الشيشان من خلال سنوات من الحرب المدمرة مع المتمردين الانفصاليين .

وفي موقع تلفزيون، راشيا توداي، (5/7/2010)، يقول رئيس جمهورية انغوشيتيا الروسية، يونس بيك يفكوروف، إن من الضروري إشغال الشبان في الحياة الاجتماعية والعملية، النشيطة، لمنع انخراطهم مع الجماعات المسلحة . . . فإذا كانوا مشغولين بشيء ما، فلن يكون لديهم وقت لاقتراف أفعال شائنة، ولذلك علينا أن نمنحهم فرصاً للتعلم والعمل .

وهو يقسم الشبان الذين ينخرطون في أنشطة إرهابية في المنطقة، إلى ثلاث فئات: الأولى فئة الذين يكسبون من وراء ذلك مالاً . فهم يتلقون أجراً عن كل هجوم إرهابي يشاركون فيه . والثانية: فئة الخراف الضالة، الذين ربما يكونون أقارب لأفراد الفئة الأولى، وينتمون اليها بسبب القرابة، وربما بسبب خضوعهم للابتزاز، مثال ذلك، أن يكون أحدهم شارَك في هجوم واحد، ولم يعُد بوسعه الانسحاب من الجماعة، لأن اسمه يظهر في السجلات دائماً . والفئة الثالثة، هم الذين يقاتلون لأسباب أيديولوجية، رغم أن هؤلاء يشكلون قلة نادرة . وهؤلاء مؤمنون بإخلاص بأن الإسلام الحديث ليس ما ينبغي أن يكون . وهم يريدون رؤية شيء آخر في مكانه . .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"