عادي

روسيا تتحدى الاحتكار الأمريكي لعملية السلام

01:14 صباحا
قراءة 8 دقائق

تسوية الصراع العربي الإسرائيلي انتهت إلى الفشل نتيجة للاحتكار الأمريكي ل عملية السلام، وبالتالي لا بد من التحول إلى رعاية دولية متعددة الأطرف، بمشاركة القوى العالمية الفاعلة، خصوصاً روسيا .

هذا الاستنتاج توصل إليه بإجماع مؤتمر دولي عقد في مالطا يومي 9 و10 ديسمبر/كانون الأول الجاري تحت عنوان سيناريوهات ونماذج التسوية شرق الأوسطية . وشارك في المؤتمر أكثر من 50 خبيراً بارزاً من ثلاث قارات، ورعاه نادي فالداي للنقاش الروسي، ونظمته وكالة ريا نوفوستي الروسية للأنباء، ومعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والمجلس الروسي للسياسة الخارجية والدفاعية . وفي ما يلي تقريران حول المؤتمر .

التقرير الأول أوردته وكالة ريا نوفوستي، وعرضت فيه أعمال المؤتمر قائلة:

عمل المشاركون في مؤتمر دولي عقد في مالطا على شكل هيئة أطباء في جلسة تشاور، وقد حددوا سبب فشل الأدوية التي وصفت حتى الآن، وبحثوا عن علاجات جديدة للمريض، وهو عملية السلام في الشرق الأوسط، التي لم تحقق تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي .

والتشخيص الذي توصل إليه بالإجماع أكثر من 50 خبيراً بارزاً شاركوا في المؤتمر هو: مأزق، وانحراف، وحتى موت .

ومن بين أسباب الفشل التي نوقشت كانت السياسة الإسرائيلية التي لاحظ متحدثون عدة أنها تسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم مع استمرار النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة .

وألقى مندوبون اللوم على الرئيس الأمريكي باراك أوباما بسبب هشاشة مساره الأصلي . فبعد أن تولى منصبه، أعلن البيت الأبيض أن عملية السلام هي أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية، وبدأ لأول مرة العمل كوسيط حقيقي، من دون أن يميل نحو طرف في الصراع .

واشتكى المتحدثون من تهميش الأعضاء الثلاثة الآخرين في اللجنة الرباعية الدولية وهم الأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي واتفقوا على أن الولايات المتحدة قد احتكرت مهمة الوساطة في الشرق الأوسط .

وتحدث الخبراء أيضاً عن الانقسام داخل الحركة الفلسطينية الذي شل الموقف التفاوضي الفلسطيني . كما لاحظوا تراجع الاهتمام بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر العالم العربي، الذي يقلق أكثر فأكثر بشأن تنامي نفوذ إيران .

وقال أحد المشاركين الروس، وهو وزير الخارجية رئيس الوزراء الأسبق يفجيني بريماكوف: بسبب الظروف الراهنة، هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الجهود من أجل تحقيق تسوية سلمية فلسطينية إسرائيلية يمكن تأجيلها إلى وقت أفضل .

وقد حذر الخبراء بصورة متكررة من أن الوضع القائم يمكن أن يؤدي إلى تفجر عنف، وتقوية العناصر الراديكالية، وتدمير فرص تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي . والوضع القائم يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تدهور الوضع في عموم الشرق الأوسط، وإلى زيادة التهديدات عبر العالم .

ما العمل؟

اقترح المشاركون الروس في المؤتمر تعزيز دور الرباعية . وقد رأوا أن المسألة الفلسطينية الإسرائيلية والمسألة السورية يجب إدراجهما معاً في مسودة تسوية تعرض على أطراف الصراع بالنيابة عن الرباعية .

واقترح بريماكوف توسيع الرباعية بحيث تشمل زعماء إقليميين، إضافة إلى بلدان مثل الصين والهند .

من جهتهم، رأى خبراء عرب أن المجتمع الدولي يجب ألا يحاول البحث عن حلول جديدة للصراع العربي الإسرائيلي، وإنما بالأحرى أن يحاول إيجاد سبل لتنفيذ الحلول المطروحة حالياً . وقالوا أيضاً إن إسرائيل تتعمد المماطلة بهدف تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية لمصلحتها .

وتحدث في المؤتمر جورج سامبايو، الممثل الأعلى للأمين العام للأمم المتحدة في تحالف الحضارات فدعا المشاركين إلى تركيز اهتمامهم على العنصر الإنساني في جهود تسوية الصراع العربي الإسرائيلي . وعرض سامبايو مشروعاً لإنشاء آلية دولية خاصة تطلق وتنسق جهوداً تهدف إلى بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتجاوز العداء المتبادل .

وتحدث جميع المشاركين تقريباً عن ضرورة مشاركة روسية أكبر في عملية السلام في الشرق الأوسط، التي تعتبر الآن على نطاق واسع أنها أسيرة احتكار الأمريكيين . وقالوا إن روسيا يمكنها أن تستثمر في المفاوضات علاقاتها البناءة مع جميع أطراف الصراع، بما فيها أطراف مثل حماس وحزب الله يعتبرها الغرب بأنها ليست شريكة شرعية .

ودعا عدد من الخبراء الأجانب روسيا إلى الحلول محل الولايات المتحدة، واقترحوا تغيير بنية اللجنة الرباعية الدولية بحيث يتم استبعاد الأمريكيين وضم اليابان والصين وتركيا ودول أخرى ذات وزن ولها مصالح في المنطقة .

ولكن المشاركين الروس لم يؤيدوا هذه الفكرة، وتحدثوا عن ضرورة أن تعمل روسيا من أجل التعزيز وليس الحلول محل أحد . وقال أحد الخبراء الروس: على الرغم من واقع إن الولايات المتحدة قد وصلت إلى مأزق بسبب احتكارها للوساطة، إلا أنه لا يمكن استبعادها من عملية السلام . ومثل هذا الاستبدال سيؤتي عكس ثماره المرجوة . . كما أن روسيا تستطيع تحقيق أمور عدة ولكنها لا تستطيع القيام بكل شيء؟

وأضاف الخبير: يتعين على روسيا أن تعزز مشاركتها في عملية السلام شرق الأوسطية، ليس بتنافس مع الولايات المتحدة، وإنما بالتعاون معها . والتركيز يجب أن ينصب على الرباعية .

أفكار لإنهاء المأزق

التقرير الثاني حول المؤتمر هو عبارة عن مقال للكاتب والصحافي البريطاني الخبير في شؤون الشرق الأوسط باتريك سيل، نشر في موقع ذا ديبلومات (الدبلوماسي) . ويلاحظ أنه إذا كانت ريا نوفوستي قد تحدثت عن الدور الروسي بصورة متزنة، فإن سيل حاول قراءة أكثر عمقاً، إذ كتب يقول: هزيمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مسألة الاستيطان في الضفة الغربية وجهت صدمة للنظام الدولي .

وقد استطاع نتنياهو تجاهل طلبات أوباما المتكررة لتجميد توسيع الاستيطان، وذلك أساساً بفضل نفوذ أصدقاء إسرائيل داخل النظام السياسي الأمريكي، وهو نفوذ عززته الآن مكاسب اليمين الجمهوري الداعم ل إسرائيل في انتخابات الكونغرس الأمريكي الشهر الماضي . وخارج الولايات المتحدة، كان هناك ذهول وأحساس بالخطر على نطاق واسع إزاء هذه الانتكاسة الجديدة للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط ولأوباما شخصياً الأمر الذي حث على إعادة التفكير في ما يمكن توقعه بصورة واقعية من واشنطن خلال العام المقبل للمساعدة في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المزمن .

وفي الواقع، هناك ميل متعاظم في الاتحاد الأوروبي وروسيا لتحدي الاحتكار الأمريكي لعملية السلام العربية الإسرائيلية، الذي تبين أنه عقيم، وللمطالبة بعمل جماعي دولي حازم .

وسبق بالفعل أن أرسل 26 من القادة الأوروبيين السابقين رسالة إلى رئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي ونائبته كاثرين آشتون دعوا فيها الاتحاد الأوروبي إلى التقدم بمقترحات شاملة من أجل تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تتضمن مرجعية مفاوضات وإطاراً زمنياً واضحين .

وهذا أمر لا يدعو للدهشة: فإذا لم يحل الصراع العربي الإسرائيلي، وإذا استمر التوسع الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين بلا كابح، فستكون هناك مخاوف على نطاق واسع من تنامي التطرف الإسلامي، ومعه هجمات في مدن الغرب .

كما أن نفاد صبر روسيا إزاء الولايات المتحدة يتضح أكثر فأكثر، وقد أكده خبراء روس بارزون في مؤتمر مالطا . ويلاحظ أن وفداً روسياً ذا وزن كبير قد حضر المؤتمر، إذ ضم وزير الخارجية رئيس الوزراء الأسبق يفجيني بريماكوف، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاتحادي الروسي ميخائيل مارجيلوف، ومدير معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية فيتالي نومكين، إضافة إلى عدد كبير من مسؤولين وسفراء وصحافيين . ولفت النظر أيضاً أن كثيرين من هؤلاء الروس يتحدثون العربية بطلاقة . ويبدو أن مؤتمر مالطا حظي بدعم قوي من رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين شخصياً .

وشارك في المؤتمر أيضاً عشرات الخبراء من العالم العربي، وإسرائيل، والولايات المتحدة وأوروبا .

وأحد الموضوعات الرئيسة في مؤتمر مالطا كان إعطاء روح جديدة للجنة الرباعية الدولية، وتوسيعها ومنحها سلطة أكبر، حيث بقيت اللجنة طويلاً تحت ظل الولايات المتحدة . وكما اتفق معظم المشاركين، فإن احتكار الولايات المتحدة لعملية السلام لم يثمر شيئاً، وبالتالي فإن القيام بعمل مشترك بات الآن ضرورياً .

والمتحدثون العرب والفلسطينيون في المؤتمر عبروا عن تخوفهم من فشل أوباما في التعامل مع إسرائيل، وكذلك عن أمل قوي لديهم بأن تتمكن روسيا من إنقاذ عملية السلام . ولكن إذا كان هناك اعتراف على نطاق واسع بأن مرحلة السيطرة الأمريكية قد انتهت، فإن أحداً لم يقترح إقصاء الولايات المتحدة كلياً . وبدلاً من ذلك، كان الرأي السائد هو ببساطة ضرورة إفساح المجال أمام لاعبين آخرين .

ومن بين الأفكار التي طرحت في المؤتمر:

* بما أن المسار الثنائي بين إسرائيل والفلسطينيين قد وصل إلى طريق مسدود، فقد حان الآن وقت إعادة إطلاق مفاوضات متعددة الأطراف، وإشراك لاعبين إقليميين مثل تركيا وإيران .

* إن مؤتمراً دولياً يعقد في موسكو يمكن أن يكون الإطار الملائم لإعادة إطلاق مفاوضات متعددة الأطراف، ومثل هذه المفاوضات يمكن أن تسير بموازاة المفاوضات غير المباشرة التي يحاول المبعوث الأمريكي جورج ميتشل الآن إجراءها بين إسرائيل والفلسطينيين .

* طرحت في المؤتمر فكرة أخرى، أقل طموحاً، هي دعوة الرباعية إلى اجتماع عاجل لكي تضع مسودة مقترحات محددة بشأن حل الصراع، تتضمن إطاراً زمنياً للتنفيذ .

طرحت فكرة أخرى، هي توسيع الرباعية بحيث تصبح سداسية بمشاركة الصين والهند .

* طرح اقتراح لقي ترحيباً على نطاق واسع يقضي باستبدال توني بلير العاجز كممثل للرباعية، واختيار شخصية دولية، ربما تكون روسية، للحلول محله .

* تحدث المشاركون عن ضرورة ملحة، هي بلورة أفكار عملية بشأن إقامة نظام أمني في الشرق الأوسط . فالولايات المتحدة كانت قد ركزت على توفير الأمن ل إسرائيل وحدها، وفي كثير من الأحيان على حساب أمن جيرانها . واتفق كثيرون من المتحدثين على أن الوقت قد حان للتفكير في بناء نظام إقليمي يوفر الأمن للجميع .

وقد سجل متحدثون روس بارزون في رصيد أوباما مقاربته المتوازنة للصراع في بداية رئاسته وربما كان أول رئيس أمريكي يفعل ذلك . ولكنهم رأوا أنه رغم بدايته الجيدة، فإن البيئة السياسية في الولايات المتحدة أفشلته، بحيث أصبح الآن أضعف من أي وقت مضى، وأعربوا بصراحة عن اعتقادهم بأنه لم يعد من الممكن توقع أي شيء يذكر منه .

وفي الوقت ذاته، وصف متحدثون الرباعية بأنها بقيت سلبية جداً وتركت كل شيء للولايات المتحدة، وقالوا إنه يتعين عليها الآن أن تبادر إلى اقتراح حلول ملموسة لمشكلات أساسية مثل الحدود النهائية ل إسرائيل، ومصير اللاجئين الفلسطينيين، ومسألة جعل القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية في المستقبل .

ويبدو أن روسيا تريد أن يكون لها دور أكبر في صنع السلام في الشرق الأوسط، وقد أشار كثيرون من المندوبين الروس في المؤتمر إلى أن بلدهم لديه أوراق قوية عدة يمكن أن يستثمرها على طاولة المفاوضات: روسيا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وهي تتمتع بعلاقات جيدة مع الدول العربية، كما عززت علاقاتها كثيراً مع إسرائيل .

ولكن روسيا، كما شدد عدة مشاركين روس، لا تملك قوة مطلقة . وقد رأوا أنه بدلاً من أن تسعى روسيا إلى الحلول محل الولايات المتحدة، يمكنها أن تعمل من أجل تجديد فعالية الرباعية، وتوسيع تفويضها، وإعطائها سلطات أكبر، وكل ذلك سيوفر للولايات المتحدة غطاء سياسياً يمكنها من الانضمام إلى الجهود الدولية من أجل كبح النزعة التوسيعة الخطرة ل إسرائيل .

وقالوا أيضاً إنه لا بد من إقناع إسرائيل بأن سياساتها الحالية لا يمكن أن تضمن مستقبلها على المدى البعيد، حيث اعتادت ثقافة الإفلات من العقاب، بينما أصبح يتعين الآن محاسبتها على سلوكها غير الشرعي . وعرض عدد من المتحدثين فكرة أنه ينبغي جعل إسرائيل تعي تماماً أن صراعها مع العرب تحول إلى صراع مع العالم الإسلامي كله حيث تجري حالياً أسلمة المسألة الفلسطينية وإذا ما ترك الصراع يسقط في إطار ديني، فسوف يكون حله أكثر صعوبة مما هي الحال الآن .

وفي مؤتمر مالطا، شدد متحدث تلو الآخر على أن الوقت أخذ ينفد، وأنه إذا لم يتحقق شيء فعلي في الأشهر الأثني عشر المقبلة، فإن حل الدولتين سيصبح ميتاً، والميدان يصبح مفتوحاً كلياً أمام المتطرفين على كلا الجانبين . ونتيجة لذلك، يمكن توقع مزيد من العنف وعدم الاستقرار، وربما حتى حرب إقليمية أخرى .

وانتهى مؤتمر مالطا بمسحة تشاؤم . إذ إن أحداً من المشاركين لم ير مخرجاً من وضع أوجدته ولايات متحدة ضعف دورها، وأوروبا منقسمة، وعالم عربي سلبي يسيطر عليه هاجس تهديد مزعوم من إيران، ومجتمع فلسطيني منقسم جغرافياً وايديولوجياً، وحكومة إسرائيلية متعنتة ربما تحلم في استيطان مجمل الأراضي الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"