عادي

تظاهرات روسيا إنذار مبكر

04:40 صباحا
قراءة 5 دقائق

بعيداً عن التهويل الإعلامي الغربي، والتناول الرغائبي للتظاهرات في روسيا، بهدف التدخل والتوجيه والوصاية من جهة، والمساومة وتصفية الحسابات من جهة أخرى، تشكل التظاهرات التي وقعت في عشرات المدن الروسية، يوم السبت، 10/12 احتجاجاً على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، أزمة للحكومة الروسية، ينبغي عليها أن تأخذها بجدية، وتستخلص دروسها سريعاً، خصوصاً أن الأحداث لم تبلغ نقطة اللاعودة بعدُ، كما تقول المحللة الروسية، سفيتلانا باباييفا، في موقع وكالة أنباء نوفوستي، (9/12/2011) .

تقول الكاتبة في تحليلها، إن الانتخابات التي جرت يوم الأحد، 4/،12 اتسمت بعدة سمات بارزة . أولاها أن التصويت، كما في تسعينات القرن الماضي، لم يكن لصالح شخص مفضل، أو لصالح البرنامج الحزبي المفضل الأكثر جاذبية . بل كان تصويتاً مضادّا . وهو فوق كل شيء، مضادّ لحزب روسيا الموحدة . وكان ذلك هو السبب الرئيسي للنتائج العالية على نحو غير متوقع، التي حصل عليها الشيوعيون، وحزب روسيا العادلة . فالذين أنِفوا من منح أصواتهم للشيوعيين، صوّتوا لحزب يابلوكو، الذي تبدو نتائجه الانتخابية ممعنة في التواضع على نحو مريب .

وما من شك في أن نقطة الانعطاف في المزاج الانتخابي، كانت الإعلان الذي أصدره رئيس الوزراء، فلاديمير بوتين، والرئيس ديمتري ميدفيديف أثناء مؤتمر حزب روسيا الموحدة في نهاية سبتمبر/ أيلول . فقد بدا أسلوب إعلان ميدفيديف عن التنحي، وعن عودة بوتين للرئاسة، قراراً مدبَّراً وراء الكواليس، من دون أي لفتة رسمية إزاء الناخبين . وكان ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ اعتبرت الجماهير هذا الأسلوب مهيناً الى درجة أدت الى ظهور ردّ فعل ساخط فوري . فالشعب لم يعُد يطيق أن يعامَل بمثل هذا الأسلوب المهين .

وفي هذا الصدد كان نشاط مَن هم في الثلاثينات من العمر مشهوداً، وتلك هي السمة الثانية لهذه الانتخابات، كما تقول الكاتبة . فهؤلاء الناس، لم يسبق لهم أن تظاهروا للتعبير عن قناعاتهم . بل كانوا يؤْثرون إمّا الاستسلام لما هي عليه الأوضاع الراهنة، لفائدة يجنونها في المستقبل، أو يعبّرون عن سخطهم عبر مواقع الشبكات الاجتماعية . وبعيداً عن الحالات الفردية المنتقاة، كانت هذه الانتخابات أول علامة للسخط، يبديها الجيل التالي، في الحياة الحقيقية لا الافتراضية . وقد شارك الطلاب الجامعيون الخرّيجون وغير الخرّيجين، في الانتخابات بعزم وثبات، فانضموا الى عضوية اللجان الانتخابية، ولجان المراقبة وغيرها، منتهزين فرصة الاشراف على عدّ الأصوات ومنع التلاعب .

وتضيف الكاتبة، أن السمة الثالثة المثيرة للاهتمام، تتعلق بنشاط الناس عند صناديق الاقتراع . ففي الانتخابات السابقة، كانت السلطات تتلهف على حضور الناخبين بكثافة . ولمّا كانت النتائج يومئذٍ واضحة وقابلة للتنبؤ بها قبل يوم الانتخاب بوقت طويل، كان كثيرون يرون أنه لا داعي للحضور والتصويت . وكان القلق يساور السلطات بشأن الشرعية العامة لمَن يتم انتخابهم، ولذلك كانت تركز جهودها على تشجيع مزيد من الناخبين للحضور الى صناديق الاقتراع .

أمّا هذه المرة، فقد كان الوضع على العكس، إذ كان نشاط الناخبين مصدر صداعٍ للسلطات التي لم تعُد معنية بأن تكون نسبة الحضور عالية، وخصوصاً في المدن الكبرى التي تبدي في العادة ولاءً أقل للأحزاب الموالية للحكومة . وكان الغرض، عوضاً عن ذلك، خفض عدد الحضور لا رفعه . وهذا هو سبب دهشة العديد من المراقبين من الارتفاع غير المتوقع، في أعداد الأصوات التي حصل عليها حزب روسيا الموحدة في المدن الكبرى .

والسمة الأخيرة، في نظر الكاتبة، هي أن التقنيات الجديدة لعبت للمرة الأولى دوراً مكملاً للحملة الانتخابية . فقبل الانتخابات، تم رفع العشرات من المقاطع الصوتية أو لقطات الفيديو على شبكة الانترنت، لإظهار أي تعليمات حكومية تعطى عند صناديق الاقتراع، لتحقيق نتائج أفضل للحزب الموالي للحكومة . وفي يوم التصويت، تم على نطاق واسع، استخدام الهواتف المحمولة القادرة على التصوير، ومسجلات الصوت، لرصد أي انتهاكات تُرتكب، وقد حال ذلك بصورة واضحة، دون حدوث عمليات تلاعب أكبر، حيث خاف الناس من تسجيل تلاعبهم، وتخليده على شبكة الانترنت .

وقد أظهرت الانتخابات للمرة الأولى، قوة الأجهزة الحديثة ورغبة الناس في استخدامها، على الرغم من أن النتائج المستقبلية لذلك لا تزال غير معروفة . ولعل دور الشبكات الاجتماعية، وبصورة أعمّ، دوْر مَن يستخدمون هذه التقنيات الجديدة بنشاط، لا لرؤية صور أصدقائهم وعرض صورهم وحسب، بل لتبادل الآراء، وحتى للتحضير للعمل، يكون حاسماً في المستقبل القريب جدّاً، وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار .

وتقول الكاتبة، إن السلطات الروسية، لا تعرف كثيراً على الأرجح، الأسباب الأصيلة لسخط الناس، ولا كيف تتعامل مع هذا الواقع الجديد . فالناس لم يعودوا قانعين بمسار الاستقرار الواهن الذي تريد الحكومة فرضه . وهذا يعني، أن الجهات الفاعلة، إنْ كانت تنوي الاحتفاظ بالسلطة بنجاح، فإنه ينبغي عليها إجراء تغييرات جوهرية في الأهداف السياسية، والاجتماعية والاقتصادية .

وتقول الكاتبة، إننا سنرقب الآن، كيف ستؤثر نتيجة الانتخابات، التي كانت أسوأ من المتوقع من دون شك، في السلوك السياسي لهؤلاء الزعماء والمسؤولين المتنفذين . فنقطة اللاعودة لم يتمَّ تجاوزها بعدُ، ولكن الاستفحال السياسي بادٍ للعيان، وشرعية المتربعين على سدّة الحكم آخذة بالتآكل .

وترى الكاتبة أن الوضع لا يزال غير قابل للتنبؤ، ويعتمد كثيراً على الأسلوب الذي تسلكه الحكومة وأجهزة تطبيق القانون في الشهور القادمة، سواء على شبكة الانترنت، أو في الحياة الواقعية . فقد تلوم السكان المشاركين في الاضطراب على تعكير صفو المركب، وتشدد الخناق على المحتجين؛ أو، ربما، تكشف عن نهج جديد، في الوقت الحاضر على الأقل، يمكن أن يقنع الناخبين بأن همومهم تلقى آذاناً صاغية، وتؤخذ في الحسبان . وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، (10/12/2011)، أن التلفزيون الحكومي الروسي، غطى مساء السبت، 10/،12 أخبار الاحتجاجات كما حدثت بحذافيرها .

وتقول الصحيفة، إن القنوات التلفزيونية الرئيسية الثلاث، التي تسيطر عليها الحكومة، افتتحت أنباءها المسائية يوم السبت، بتقارير عن الاحتجاجات . وعرضت صور الجماهير الغفيرة واحتجاجاتها المناوئة للكرملين . وفي المقابلات التي بثتها، اشتكى المشاركون في المسيرات من سرقة أصواتهم، وعبروا عن رغبتهم في إجراء انتخابات جديدة . كما يذيع كل من القنوات هتافات مطالبة بطرد فلاديمير تشوروف، رئيس اللجنة المركزية للانتخابات في روسيا . .

. . ونشر كل من المحطات التلفزيونية المذكورة، تقارير عن تظاهرات أصغر حجماً حدثت في مدن كبرى أخرى . وتقول الصحيفة، إن أحد التفسيرات الرئيسية للتحول الذي طرأ على التغطية التلفزيونية، يكمن في الاختراق الهائل للانترنت في المجتمع الروسي . فمع التقارير التي تنهال على موقعي تويتر وفيسبوك وعلى المدونات المختلفة، ناهيك عن وكالات الأنباء المحترفة التي تعمل على الخط مباشرة على الانترنت، يستحيل تجاهل الاحتجاجات .

وبصرف النظر عن التفسيرات، يبرز السؤال المنطقي: هل قررت السلطات الروسية، سلوك الطريق الثاني الذي أشارت اليه المحللة الروسية باباييفا، أم أن الوقت لا يزال مبكراً على الجواب؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"