عادي

أثر انحسار قوة أمريكا في العالم

02:43 صباحا
قراءة 6 دقائق

في مقالة نشرها في مجلة فورين بوليسي (عدد شهري يناير/ كانون الثاني، وفبراير/ شباط2012)، يتناول مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، الاحتمالات التي يمكن أن تنشأ عن تراجع دور الولايات المتحدة في العالم، والمخاطر التي يمكن أن يسببها ذلك لكثير من الدول في أنحاء مختلفة .

يقول بريجنسكي: مع انحسار التفوق الأمريكي العالمي، ستكون الدول الأضعف معرضة أكثر من غيرها للتأثير الحاسم للقوى الاقليمية الكبرى . فالصين والهند آخذتان بالنهوض، وروسيا ذات نزعة إمبراطورية، والشرق الأوسط يزداد عدمَ استقرار . واحتمالات الصراع في المنطقة، حقيقية في حال غياب أمريكا الناشطة دولياً . وعلينا أن نستعد لواقع دولي يخضع لمبدأ البقاء للأصلح .

ويشرح بريجنسكي، ظروف بعض الدول، والمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها، ومنها:

1- جورجيا: يقول، إن التراجع الأمريكي سوف يخلّف هذه الدولة القوقازية الضئيلة، عرضة للتخويف السياسي، والعدوان العسكري الروسيين . فقد زودت الولايات المتحدة جورجيا بمساعدات بقيمة 3 مليارات دولار منذ سنة 1991- مليار دولار منها منذ حرب 2008 مع روسيا . وسوف يفرض التراجع الأمريكي قيوداً جديدة على قدرات الولايات المتحدة، وقد يثير ذلك في حد ذاته شهية روسيا إلى استعادة مجال نفوذها القديم . وأكثر من ذلك، فإن فلاديمير بوتين، الذي رأس روسيا مرة، وسوف يرأسها في المستقبل، يكنّ عداءً شخصياً شديداً لرئيس جورجيا، ميخائيل ساكاشفيلي .

والخطر الماثل: هو هيمنة روسيّة على ممر الطاقة الجنوبي إلى أوروبا، ما قد يؤدي إلى المزيد من الضغط على أوروبا، للتواؤم مع الأجندة السياسية الروسية، وتأثير الدومينو في أذربيجان .

2- تايوان: يقول الكاتب، إن الولايات المتحد قد قبلت منذ عام ،1972 رسمياً بصيغة الصين الموحدة التي يتبناها البرّ الصيني الرئيس، بينما أكدت ألا يغيّر أي من الجانبين الوضع الراهن بالقوة . ولكن بكين تحتفظ بحق استخدام القوة، ما يتيح لواشنطن أن تبرر استمرار مبيعات أسلحتها لتايوان . وفي السنوات الأخيرة، ظلت تايوان والصين ماضيتين في تحسين علاقتهما . ولكن تراجع قوة أمريكا، سوف يزيد في هشاشة تايوان، ما يدع صناع القرار في تايبيه أشدّ عرضةً للضغط الصيني المباشر والانجذاب المجرّد للصين الناجحة اقتصادياً . ويمكن لذلك، على الأقل، أن يعجل في إعادة توحيد البلدين، ولكن بشروط غير متكافئة ومحابية للبرّ الرئيس .

والخطر الماثل: هو وقوع تصادم خطر مع الصين .

3- كوريا الجنوبية: يقول، إن الولايات المتحدة، ظلت الضامن لأمن كوريا الجنوبية منذ مهاجمتها من قبل كوريا الشمالية عام ،1950 بتواطؤ مع السوفييت والصينيين . ويشهد نهوض سيؤول الاقتصادي البارز ونظامها السياسي الديمقراطي على نجاح التدخل الأمريكي . ولكن كوريا الشمالية، قامت على مدى سنوات، بعدد من الاستفزازات ضد كوريا الجنوبية، تتراوح بين اغتيالات أعضاء في مجلس وزرائها، وبين إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية، تشونان عام 2010 . ولذا فإن تراجع أمريكا سوف يواجه كوريا الجنوبية بخيارات مؤلمة: إمّا أن تتقبل الهيمنة الاقليمية الصينية والمزيد من الاعتماد على الصين لكبح كوريا الشمالية المسلحة نووياً، أو أن تسعى إلى تعزيز العلاقة مع اليابان- على الرغم من أن ذلك لا يحظى بالشعبية تاريخياً- انطلاقاً من القيم الديمقراطية المشتركة، والخوف من عدوان بيونغ يانغ وبكين .

والخطر الماثل: هو على الأمن العسكري والاقتصادي في شبه الجزيرة الكورية، وحدوث أزمة ثقة عامة في اليابان وكوريا الجنوبية في ما يتعلق بمصداقية الالتزامات الأمريكية القائمة .

4- بيلا روسيا (روسيا البيضاء): يقول الكاتب: بعد عشرين سنة من سقوط الاتحاد السوفييتي، تظل آخر دكتاتورية في أوروبا معتمدة سياسياً واقتصادياً على روسيا . وثلث صادراتها يذهب إلى روسيا، التي تعتمد عليها كلياً تقريباً في احتياجاتها من الطاقة . وفي الوقت ذاته، وقفت دكتاتورية الرئيس الكساندر لوكاشنكو منذ 17 عاماً، في طريق قيام أي علاقات ذات معنىً مع الغرب . ونتيجة لذلك، فإن تراجعاً أمريكياً ملحوظاً سوف يمنح روسيا فرصة خالية من أي مجازفة في واقع الأمر، لكي تعيد استيعاب بيلاروسيا .

والمعرّض للخطر: هو أمن دول البلطيق المجاورة، ولاتفيا بوجه خاص .

5- أوكرانيا: يقول، إن علاقة كييف مع موسكو ظلت عرضة للتوتر، مثلما ظلت علاقتها مع الغرب عرضة للتردد . ففي السنوات ،2005 2007 و،2009 قامت روسيا إمّا بالتهديد بوقف تدفق النفط والغاز الطبيعي إلى أوكرانيا، أو بوقفهما فعلاً . وفي وقت قريب، تعرض الرئيس فيكتور يانوكوفيتش للضغط من أجل تمديد استئجار روسيا لقاعدة بحرية في ميناء سيفاستوبول الأوكراني على بحر البلطيق، مدة 25 سنة أخرى، مقابل قيام روسيا بتزويد أوكرانيا بشحنات الطاقة بأسعار تفضيلية . ويواصل الكرملين الضغط على أوكرانيا للانضمام إلى الفضاء الاقتصادي المشترك مع روسيا، بينما يجرّد أوكرانيا بالتدريج من السيطرة المباشرة على أصولها الصناعية الرئيسة من خلال الاندماج مع الشركات الروسية، او الاستحواذ الذي تمارسه تلك الشركات .

ومع تراجع أمريكا، ستكون أوروبا أقل استعداداً ومقدرة على التواصل مع أوكرانيا واحتوائها ضمن مجتمع غربي موسع، مما يترك أوكرانيا أكثر عرضة للنوايا والخطط الروسية .

والخطر الماثل: هو تجدد الطموحات الإمبراطورية الروسية .

6- أفغانستان: يقول: بفعل تسع سنوات من الحرب السوفييتية الشرسة، والتجاهل الغربي عقداً من الزمن بعد الانسحاب السوفييتي، وسوء إدارة طالبان التي تنتمي للقرون الوسطى، والخذلان الأمريكي على مدى 10 سنوات من العمليات العسكرية التي تعوزها الحماسة، والمساعدة الاقتصادية المتقطعة، تسود أفغانستان الفوضى . ومع بلوغ نسبة البطالة فيها 40%، واحتلالها المرتبة الدولية الخامسة عشرة بعد المئتين، في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، لا يكاد ناتجها الاقتصادي يتجاوز تجارتها غير الشرعية في المواد المخدرة . ومن المرجح أن يؤدي سحب القوات الأمريكية السريع، بسبب الإنهاك الذي سببته الحرب، أو الآثار المبكرة للتراجع الأمريكي، إلى تفكك داخلي وإلى صراعِ قوىً خارجي بين الدول المجاورة على النفوذ في أفغانستان . وفي غياب حكومة مستقرة فاعلة في كابول، ستكون البلاد تحت هيمنة أمراء حرب متناحرين . وسوف تتنافس باكستان والهند بحزم أكبر على النفوذ في أفغانستان- مع احتمال تدخل إيران أيضاً .

والخطر الماثل: هو عودة ظهور طالبان، وحرب بالوكالة، بين الهند وباكستان، ووجود ملاذ للإرهاب الدولي .

7- باكستان: يقول: على الرغم من أن إسلام آباد مسلحة بأسلحة القرن الحادي والعشرين النووية، وموحدة بجيش محترف بمعايير أواخر القرن العشرين، فإن أغلبية باكستان لا تزال في مرحلة ما قبل الحداثة، وريفية، وتتحدد بدرجة كبيرة بهويات اقليمية وقبلية . ويحدد الصراع مع الهند إحساس باكستان بالهوية القومية، بينما يغذي تقسيم كشمير القسري، كراهية مشتركة وعميقة بين البلدين . ويشكل عدم الاستقرار السياسي في باكستان أكبر نقاط ضعفها، وتراجع القوة الأمريكية سوف يقلل قدرة أمريكا على المساهمة في تدعيم باكستان وتنميتها . وقد تتحول باكستان عندئذٍ إلى دولة تدار من قبل الجيش، أو دولة إسلامية راديكالية، أو دولة تجمع بين الجيش والحكم الإسلامي، أو دولة ليس لديها حكومة مركزية على الإطلاق .

والخطر الماثل: هو قيام إمارة حرب نووية، وحكومة إسلامية نزاعة إلى القتال، مناوئة للغرب، مسلحة نووياً، وعدم الاستقرار في آسيا الوسطى، مع احتمال امتداد العنف إلى الصين، والهند وروسيا .

8- إسرائيل والشرق الأوسط الكبير: يقول الكاتب، إن تراجع أمريكا سوف يؤدي إلى حدوث تغيرات واسعة تقوض الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط برمته . ويضيف: أن جميع دول المنطقة، تظل عرضة لدرجات متفاوتة من الضغوط الشعبوية الداخلية، والقلاقل الاجتماعية، والأصولية الدينية، كما هو ملحوظ في أحداث أوائل سنة 2011 . وإذا حدث التراجع الأمريكي، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال غير محلول، فإن الفشل في تطبيق حل دولتين مقبولٍ بصورة متبادلة، سوف يُذكي ضِرام الجوّ السياسي في المنطقة . وسوف يشتدّ العداء لإسرائيل فيها . وسوف يغري ضعف أمريكا المحسوس في مرحلة من المراحل، الدول الأقوى في المنطقة، وأبرزها إيران وإسرائيل، باستباق المخاطر المتوقعة . كما أن التنافس على جني المكاسب التكتيكية يمكن أن يعجل بحدوث فورات، قد تتصاعد وتتحول إلى مواجهات عسكرية أوسع وأشدّ دموية . وسوف تدفع الكيانات الضعيفة مثل لبنان وفلسطين ثمناً باهظاً بوجه خاص بالخسائر في الأرواح . وحتى أسوأ من ذلك، يمكن لمثل هذه الصراعات أن تتصاعد إلى مستويات مروعة فعلاً من خلال ضربات وضربات مضادة بين إيران وإسرائيل .

والخطر الماثل: هو حدوث مواجهة مباشرة إسرائيلية أو أمريكية مع إيران، تصاعد مدّ الأصولية الإسلامية والتطرف، أزمة طاقة على نطاق عالمي، تعرض حلفاء أمريكا في الخليج للخطر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"