لا شك أن طبيعة المياه المحلاة وخصائصها لا تضاهي تماما طبيعة وخصائص المياه العذبة الطبيعية، إلا انه بسبب ندرتها في الدولة، يتم الاعتماد على المياه المحلاة، بنسبة 98%، لاسيما لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي والصناعي والتجاري، إذ يبلغ معدل إنتاج الدولة منها نحو مليار و700 ألف متر مكعب في السنة، حيث يبلغ معدل استهلاك الفرد 360 لتراً يومياً .
الخليج تناولت قضية المياه المحلاة، ومدى صلاحيتها للاستهلاك البشري، حيث يشكو البعض من عدم ملاءمتها للاستخدام، لاسيما أنها تسببت في تساقط الشعر، إلا أن الجانب الطبي يوضح بعض أضرار استخدام هذه المياه، لاسيما على الشعر والجلد، بنسبة تراوح من 2-5%، بينما يؤكد الخبراء أن المياه المحلاة صالحة للاستهلاك البشري، كونها مقطرة ونظيفة، إلا انه ينصح باستخدام الفلاتر لمياه الشرب .
يوضح الدكتور محمد مصطفى الملا، مدير إدارة الموارد المائية في وزارة البيئة والمياه، أن دولة الإمارات تعتمد على مياه التحلية، في توفير المياه البلدية المخصصة لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي والتجاري والصناعي، بنسبة 98% .
وتأتي الدولة في مرتبة متقدمة ضمن الدول المنتجة لمياه التحلية على المستوى العالمي، حيث يبلغ معدل إنتاجية الدولة من المياه المحلاة نحو مليار و700 ألف متر مكعب في السنة، وبذلك تكون التحلية من أهم الصناعات الاستراتيجية لتوفير موارد المياه العذبة، لاسيما للاستخدامات البلدية، بسبب نمو الاحتياجات المائية، إضافة إلى الندرة الطبيعية لموارد المياه الطبيعية، متمثلة في المياه الجوفية، وندرة هطول الأمطار، مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات البخر، حيث تعتبر الموارد المائية التقليدية في الدولة سطحية وجوفية شحيحة ومعدل تجددها أقل من 3% من مجموع الاستهلاك الكلي .
ويؤكد أن استخدام تقنيات تحلية مياه البحر يعتبر من أهم البدائل المتوافرة من الناحية العملية والاقتصادية، لإعادة التوازن بين العرض والطلب على المياه العذبة، بهدف تعزيز الموارد المائية الطبيعية لتفي بالاحتياجات، إلا أن لصناعة التحلية بعض الآثار البيئية السلبية منها ارتفاع البصمة الكربونية، وتأثيرات المياه المرتجعة المالحة والمرتفعة درجة حرارتها، الناتجة من عملية التحلية في البيئة البحرية، ولكن بشكل عام، فإن تقنيات التحلية في تطور مستمر، نظراً للحاجة إلى ذلك على المستوى العالمي، في ما يتعلق برفع الكفاءة الإنتاجية للمحطات، باستخدام تقنيات الأغشية المطورة مثلا، وتقليل التكلفة الاقتصادية، وتخفيض الأثر البيئي، كما أن الجهود المبذولة لتطوير استخدام مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل محطات التحلية ستزيد من استدامتها .
وتعد وزارة البيئة والمياه بالتعاون مع المركز الدولي للزراعة الملحية، دراسة حول تطوير المعايير والموجهات الاتحادية، الخاصة بإدارة المخلفات الناتجة من عملية إنتاج المياه المحلاة في دولة الإمارات العربية المتحدة .
وترتكز الدراسة على وضع وتطوير معايير ومواصفات وتوجهات بيئية، تمكن الوزارة من إدارة ومراقبة مخلفات عملية إنتاج المياه المحلاة، ووضع التوصيات حول أفضل الممارسات، وأفضل تقنيات إنتاج المياه المحلاة الصديقة للبيئة، لاسيما في البيئات الحساسة، إضافة إلى وضع التوصيات المتعلقة بتخفيف الضرر البيئي الناتج من عملية إنتاج المياه المحلاة، وأهم الإجراءات المطلوبة، حيث سيتم تنفيذها خلال العام 2012 .
وأضاف الملا أنه بالنظر إلى التوقعات المستقبلية بزيادة الطلب على المياه المحلاة، لمواجهة الزيادة في عدد السكان وفي عدد المنشآت التنموية، فقد تم الاهتمام بتطوير صناعة تحلية المياه، من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات المالية، ومن خلال الاهتمام بالتأثيرات البيئية لهذه الصناعة، التي توفر نحو 40% من المياه في الدولة، وذلك من خلال التخطيط لاستخدام الطاقة المتجددة والطاقة النووية، في إنتاج المياه المحلاة لتخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كذلك الاهتمام بالتخفيف من تأثيرات صناعة التحلية في نوعية مياه البحر، وفي الثروات المائية الحية .
صالحة للاستهلاك
وفي ما يتعلق بمدى صلاحية استخدام المياه المحلاة، يقول الدكتور رياض حامد الدباغ مستشار معهد البيئة والمياه في شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، إنها تعتبر صالحة للاستهلاك البشري، وهي من أنقى المياه، إضافة إلى كونها آمنة جدا، ولو لم تكن كذلك لحدثت الكثير من الأمراض والمشكلات الصحية، لأن النسبة الغالبة من سكان الدولة يستخدمون هذه المياه، سواء للشرب أو للطهي أو لغسيل الملابس أو للاستحمام، في حين يعتقد بعض الناس أن الاستحمام بالمياه المحلاة يؤدي إلى تساقط الشعر، إلا أن هذا اعتقاد خاطئ، حيث انه حتى الآن لم يثبت علميا حدوث تساقط الشعر نتيجة الاستحمام بها .
ويؤكد أن هذه المياه مقطرة ونظيفة، من دون أن تؤثر في غسل الملابس أو ظهور بقع عليها، كما تعتقد غالبية ربات المنازل، إلا أنه يفضل استخدام الفلاتر لمياه الشرب، بينما يفضل غلي مياه الطبخ لزيادة تعقيمها، في حين تعتبر المياه العذبة ذات فائدة اكبر من المياه المحلاة، لاحتوائها على الأملاح الطبيعية المفيدة للجسم البشري .
وعن أنواع عمليات التحلية المستخدمة في الدولة يقول الدكتور الدباغ إن هناك نوعين رئيسيين في الوقت الراهن وهما التقطير والتناضح العكسي، حيث إن أهم طرائق التقطير هو التقطير الوميضي متعدد المراحل والتقطير بالتأثير المتعدد، مشيرا إلى أن إمداد المياه في الدولة يتم من ثلاثة مصادر رئيسية هي المياه الجوفية وتشكل 51% من الإمدادات، ومعظمها يستخدم للأغراض الزراعية، والمياه المحلاة وتشكل 37% من الإمدادات ومعظمها يستخدم للشرب والاستخدامات المنزلية، كذلك المياه المعالجة وتشكل 12%من الإمدادات وتستخدم لري المناطق الخضراء .
أضرار محتملة
كذلك الأمر بالنسبة إلى الرأي الطبي، الذي بدوره يؤكد بعض أضرار المياه المحلاة على الشعر والجلد، في ظل إصابة من 2-5% من الأفراد في المجتمع الإماراتي، حيث يوضح الدكتور ماجد صلاح الدين اختصاصي جلدية وتناسلية، أن وجود نسبة عالية من الأملاح والمعادن في المياه المستخدمة لغسيل الشعر والاستحمام، قد يؤدي مع مرور الزمن إلى بعض المشكلات في الشعر والبشرة، لاسيما لدى ذوي البشرة الحساسة، مثل الحكة الجلدية، وجفاف البشرة ، وظهور بعض البقع الحمراء على الجلد، إلا أن هذه الأعراض يتم علاجها باستخدام مطريات الجلد وأقراص الهستامين، وتجنب غسيل البشرة بالماء المالح، والاستعاضة عنه بالمياه المعدنية .
وأضاف أن مشكلات الشعر تتلخص في تساقطه بمعدل كبير، وبهتان لونه واختفاء بريقه، كذلك تقصف الشعر عند الأطراف، وإحساس البعض بالحكة في فروة الرأس، حيث يجب علاج هذه الأعراض باستخدام شامبو وبلسم مناسبين تحت إشراف طبي .
فلاتر للخزانات
في المقابل، عبّر بعض الأشخاص عن تذمرهم من نتائج استخدام المياه المحلاة، خاصة فئة الشباب، الذين أكدوا أن هذه المياه تعد سببا رئيسيا لتساقط شعر رؤوسهم، على المدى البعيد، حيث يقول طارق محمود نور، إن الصلع بدأ يظهر في مقدمة رأسه، منذ فترة وجيزة، نتيجة استحمامه الدائم بالمياه المحلاة، الأمر الذي يسبب له إزعاجا وتوترا نفسيا، مشيرا إلى أن زوجته أيضاً، تشكو من عدم نصاعة الغسيل الأبيض، حيث تجده أشبه بالمتسخ .
ويرى انه لا بد من إيجاد حل جذري لهذه المعضلة، التي تؤثر في جميع الفئات، كون المياه من أساسيات الحياة، حيث انه يقترح وضع فلاتر في خزانات المياه، دون أن يتحمل السكان تكلفتها .
فيما يشعر سيد السعدني بالإحباط، نتيجة تساقط شعره أيضا، حيث يستخدم منذ بضعة اشهر، خلطات زيوت لتقوية الشعر، إلا أنها من دون جدوى، حسب تعبيره، الأمر الذي دفعه إلى استشارة طبيب مختص، نصحه بعلاج دوائي، والاستحمام بالمياه المعدنية، لافتاً إلى أنه أمر مكلف .
ويعتقد انه سيفقد ما تبقى من شعر رأسه خلال بضع سنوات، إذا استمر الحال على هذا الأمر، لاسيما في ظل عدم وجود بديل عملي للمياه المحلاة .
أما سمير محمد حسن، فيقول انه يشتم رائحة الكلور كلما غسل يديه بمياه الصنبور، نتيجة احتوائها على نسبة عالية من الكلور، كذلك الأمر بالنسبة إلى شعر رأسه الذي أصبح يزداد خشونة .
ويضيف أن وضع فلتر للمياه يعد من الحلول العملية، إلا انه مكلف، ويتطلب تغييره بين مدة وأخرى .
ويوضح إبراهيم السيد أنه يمنح شعره عناية مكثفة، لاسيما في ظل تزايد نسبة الأملاح في مياه الصنبور، حيث يعاني تساقط شعره وحساسية بشرته، إذ لجأ إلى استشارة طبيب مختص، الذي نصحه بضرورة استخدام المياه المعدنية لبعض الوقت، تفاديا لإصابته بحساسية البشرة .
متر مكعب من المياه
أكدت وزارة البيئة والمياه أن دولة الإمارات تعتبر من الدول المتقدمة في إنتاج المياه المحلاة على المستوى العالمي، كما يبلغ معدل الاستخدام اليومي للفرد 350 لتر مياه، فيما يبلغ متوسط التكلفة الكلية لإنتاج المتر المكعب الواحد منها بنحو 11 درهماً، كما يبلغ مجموع محطات التحلية في الدولة سواء الصغيرة أو المتوسطة أو الكبيرة 80 محطة تحلية، وضمن التدابير المتعلقة بالمحافظة على مخزون المياه الجوفي، وزيادة نسبة معدلات تجدده .
كما اهتمت الدولة بإنشاء السدود لحجز مياه الأمطار واستخدامها في إعادة شحن مخزون المياه الجوفي، حيث تم بناء 114 سداً تبلغ سعاتها التخزينية الإجمالية نحو 118 مليون متر مكعب .
وأصدر المجلس الوزاري للخدمات في شهر فبراير الماضي، قراراً بحظر تصدير المياه الجوفية خارج الدولة .
70 محطة تحلية في الإمارات
يقول الدكتور رياض حامد الدباغ مستشار معهد البيئة والمياه في شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، إن محطات تحلية المياه في الدولة، تمثل نحو 14% من مجموع الطاقة الإنتاجية العالمية للتحلية، حيث تنتج هذه المحطات 1 .1 مليار متر مكعب من الماء، في حين يبلغ معدل استهلاك الفرد في الإمارات 500 لتر يوميا، ويعتبر من أعلى معدلات الاستهلاك عالميا .
وذكر أن هناك نحو 15 ألف محطة لتحلية المياه حول العالم، تنتج نحو 60 مليون متر مكعب من الماء يومياً، بحسب إحصاءات الجمعية الدولية للتحلية، حيث إن ثلثي هذا الإنتاج يتم في المنطقة العربية، خصوصاً بلدان سواحل الخليج والبحر المتوسط والبحر الأحمر، وأكبر الدول المنتجة للمياه المحلاة هي المملكة العربية السعودية بمعدل 18%، تليها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بمعدل 13% لكل منهما .