عادي
أكد في حوار تنشره + التضامن مع مصر لتحقيق الاستقرار

بوتين: إرهاب “داعش” تحدٍ غير مسبوق للمجتمع الدولي

03:58 صباحا
قراءة 13 دقيقة
حاوره في موسكو: محمد عبدالهادي علام
من أبرز ملامح "مصر الجديدة" بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو التوجه نحو الانفتاح على العالم وإقامة علاقات دولية متوازنة تقوم على دعم التعاون مع جميع الدول على أساس المساواة والندية والمصالح المتبادلة وليس التبعية والارتماء في أحضان إحدى القوى مهما بلغت قوتها أو شأنها .
هذه الملامح والتوجهات ترسمها قيادة وطنية حكيمة تدرك أبعاد ومرامي العلاقات الدولية وتحسب حركتها بدقة واتزان، دونما شطط أو جنوح إلى الشرق او الغرب، رائدها في ذلك تحقيق المصلحة العليا للوطن وتوفير الرخاء والعيش الكريم للشعب المصري .
وفي هذا التوقيت، تأتي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة اليوم، تلبية لدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، انعكاساً وترجمة حقيقية لتوجهات الدولة وقيادتها التي تدرك أن روسيا الاتحادية أحد اللاعبين الكبار على الساحة الدولية وبإمكان البلدين الكبيرين مصر وروسيا التعاون معاً والقيام بجهد كبير لتحقيق الاستقرار في العالم والمنطقة التي تموج بالتوترات العرقية والدينية . وعلى الجانب الاقتصادي، يصب التقارب بين القاهرة وموسكو في مصلحة البلدين .
من هنا تنبع أهمية الحوار مع الزعيم الروسي، الذي أكد أن بلاده تتضامن مع مصر قيادة وشعباً في جهودها الرامية إلى تحقيق الاستقرار الداخلي وإكمال النظام السياسي وتحديث الاقتصاد الوطني، معرباً عن تضامنه مع المصريين الذين عبروا عن آرائهم خلال الاستفتاء على مشروع دستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية .
وقال بوتين - في حديث لرئيس تحرير "الأهرام" - إن مصر وروسيا لديهما قدرة جبارة لدفع التعاون بينهما وإحراز نتائج أفضل في المستقبل .
وشدد على اهتمام بلاده بتعزيز التعاون مع مصر الصديقة في مجال مكافحة الإرهاب، سواء في إطار العلاقات الثنائية أو في إطار المنظمات الدولية .
وأضاف، إن الحوار الثنائي بين الجانبين يتعمق لما فيه مصلحة الشعبين وتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .
وأشار بوتين، في حواره، إلى أن لقاءه الرئيس عبدالفتاح السيسي في "سوتشي" العام الماضي أثبت تطلع البلدين لتوسيع علاقات الصداقة والتعاون فيما بينهما . وحول الأزمة السورية، أكد تقارب مواقف البلدين بشأنها وشدد على أنه لا بديل عن التسوية السياسية لها . وتالياً نص الحوار:
كيف تقيمون واقع العلاقات الثنائية بين روسيا ومصر في المرحلة الحالية بعد ثورتي 25 يناير و30يونيو . . وما آفاقها على خلفية نتائج زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى روسيا في أغسطس/ آب 2014؟
مصر تعد شريكاً تقليدياً وآمناً لروسيا في منطقة الشرق الأوسط . ويعتز التاريخ المعاصر للعلاقات الدبلوماسية بين بلدينا - التي تعود ببدايتها إلى سنة 1943- بأحداث عظيمة مختلفة . لقد شهدت الساحة الدولية وبلدانا خلال ما يفوق 7 عقود منصرمة كثيراً من التطورات، ولكن الأمر الذي لم يتغير على الإطلاق هو السعي للعمل المشترك لمصلحة تطوير كل من روسيا ومصر وضمان الأمن على النطاق الدولي والإقليمي على حد سواء .
لقد تم إنشاء العديد من مرافق البنية الاقتصادية المصرية بفضل المساعدة النشيطة من قبل روسيا، ومن بينها السد العالي العملاق ومصنع الحديد في حلوان ومصنع الألومنيوم في نجع حمادي، وغيرها من المشروعات، وما يسعدنا هو أن تلك المرافق الصناعية لا تزال تعمل حتى الآن وبصورة فعالة وتجلب الفائدة لجمهورية مصر العربية الصديقة .
أما فيما يتعلق بالأحداث التي حصلت خلال 2011-2013 فنرحب بجهود مصر، قيادةً وشعباً، الرامية إلى استتباب الاستقرار الداخلي وإكمال النظام السياسي وتحديث اقتصاد البلاد . . إننا متضامنون مع المصريين الذين عبروا عن آرائهم خلال الاستفتاء على مشروع دستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية .
وبرغم المصاعب التي اُضطرًّت مصر إلى المرور عبرها خلال السنوات الأخيرة فقد تمكن بلدانا من الحفاظ على العلاقات الثنائية المتنوعة والواسعة النطاق . والدليل على ذلك لقاؤنا مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في مدينة سوتشي الروسية في 12 أغسطس/ آب 2014 وهو اللقاء الذي يمكن وصفه بالفعال والمثمر، حيث أثبتنا من جديد من خلاله التطلع المشترك لدى القيادتين الروسية والمصرية لتوسيع علاقات الصداقة والتعاون في المستقبل على أساس المساواة والمصالح المتبادلة .
وتتطور العلاقات الروسية - المصرية تطوراً ديناميكياً، ففي الفترة الأخيرة شهدت أرقام التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعاً ملموساً وازداد حجمه في السنة الماضية ب50% تقريباً لكي يصل إلى 5 .4 مليار دولار . وبكل تأكيد يجب الحفاظ على هذا التوجه، كما نرى قدرات جبارة لدفع التعاون الثنائي قدماً والذي من شأنه إحراز نتائج أفضل مما هي الآن .
لقد وضعنا أساساً فعالاً ومربحاً للجانبين للتعامل في مجال الزراعة . وتعتبر مصر من اكبر مستوردي القمح الروسي، حيث نغطي نحو 40% من إجمالي استهلاك الحبوب في بلادكم وبدورنا نستورد الفواكه والخضراوات المصرية .
وتبدي الكثير من الشركات الروسية، بما فيها تلك التي تعمل في مجال الكهرباء والطاقة والصناعة الكيميائية وإنتاج السيارات، اهتماماً كبيراً بالسوق المصرية، كما أن هناك آفاقاً واسعة للتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة خاصة في قطاع الطاقة الذرية واكتشاف الفضاء والاستخدام المشترك لنظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية الجلوناس (GLONASS) الروسي الصنع .
وتعد مصر من أفضل أماكن الاستراحة لدى السياح الروس . وحسب الإحصاءات المتوافرة بلغنا في عام 2014 رقماً قياسياً، حيث زار مصر أكثر من 3 ملايين سائح روسي مما يتجاوز ب50% الأرقام التي سُجلت في عام 2013 . وتقدر روسيا تقديراً عالياً الضيافة المصرية والجهود الرامية لضمان أمن السياح الروس في منتجعات البحر الأحمر .
إنني على يقين من أن الحوار في كافة المجالات بين روسيا ومصر سيتعمق ويتوسع لما فيه مصلحة شعوب بلدينا والأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .
ما تعليقكم على مايدور من نقاش حول التعامل بالعملتين المحليتين في التجارة الثنائية (الروبل الروسي والجنيه المصري) بدلاً من الدولار الأمريكي؟
بالفعل هذا الموضوع الآن في دائرة الضوء بسبب قرب الموسم السياحي في مصر . ومن الواضح أن إدخال التعامل بالعملتين المحليتين سيسهم في صنع ظروف أكثر ملاءمة للملايين من المواطنين الروس الذين يستريحون سنوياً في بلادكم .
إضافة إلى ذلك ستفتح هذه الخطوة آفاقاً جديدة أمام التعامل الاستثماري والتجاري بين بلدينا وتخفف الاعتماد على التغيرات في الأسواق العالمية . وعليه من المنطقي أنّ يشرع رجال الأعمال في البلدين في الحديث حول الأفضلية للتحول إلى العملتين المحليتين في الحسابات الثنائية .
وأود أن أشدد على أننا قد أدخلنا العملتين المحليتين بالفعل في تنفيذ العمليات التجارية مع بعض البلدان من رابطة الدول المستقلة وكذلك الصين . وقد أثبتت هذه التجربة فاعليتها ونحن مستعدون لتطبيقها في علاقاتنا مع مصر . وفي الوقت الحالي تجري دراسة هذه المسألة على مستوى الجهات ذات الصلة في كلا البلدين .
في رأيكم ما فرص التعاون الروسي - المصري لتحقيق التسوية السياسية للازمة السورية؟
إن روسيا ومصر تقفان مواقف متقاربة من الوضع في سوريا . وتدعم دولتانا وحدة سوريا وسيادتها، وتؤكدان بصورة مطردة عدم وجود أي بديل آخر للتسوية السياسية والدبلوماسية، ولدينا رؤية متطابقة للخطوات الأولية باتجاه الحل ومن ضمنها قبل كل شيء إطلاق الحوار السوري - السوري دون شروط مسبقة وبدون تدخل من الخارج وعلى أساس مبادئ إعلان جنيف في 30 يونيو 2012 .
وتحتضن القاهرة لقاءات المعارضين السوريين التي من شأنها وضع القاعدة المشتركة التي بإمكانهم الاعتماد عليها في المفاوضات مع الحكومة السورية، كما جرى في موسكو أخيراً اللقاء التشاوري بين ممثلي المعارضة السورية بمختلف مجموعاتها والمجتمع المدني ووفد دمشق الرسمي .
ومن البديهي أن جهود روسيا وتلك التي يبذلها شركاؤنا المصريون منسجمة مع بعضها البعض، وكل هذه الجهود تهدف إلى كسر الجمود في التسوية السياسية للازمة السورية، وكذلك المساعدة في إطلاق الحوار بين ممثلي الحكومة السورية وخصومهم السياسيين ليتوصلوا بأنفسهم ودون أي ضغوط من الخارج إلى حلول وسط توافقية مقبولة للجميع .
وهذا ما ناقشناه بالتفصيل مع الرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء لقائنا في مدينة سوتشي السنة الماضية وسنبحث هذا الموضوع في القاهرة . كما تتعامل وزارتا الخارجية لدولتينا تعاملاً وثيقاً بشأن سوريا .
شهدت الشهور الأخيرة تصاعداً حاداً للأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة . . ما جهود روسيا لنزع حدة التوتر وتسوية القضية الفلسطينية؟
بعد مرور 9 أشهر من جولة المفاوضات الفلسطينية - "الإسرائيلية" تحت رعاية الولايات المتحدة والتي انتهت في إبريل/ نيسان 2014 بالفشل، تدهورت العلاقات بين الطرفين بشكل ملحوظ، واندلع في الصيف الماضي النزاع الدامي بين "إسرائيل" وقطاع غزة . وفي الخريف بدأت الاضطرابات في القدس التي كانت من أهم أسبابها التناقضات على الأساس الديني . وفي الوقت نفسه لجأت "إسرائيل" إلى توسيع نشاطها الاستيطاني . وأفضت كل هذه العوامل إلى تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط برمّته وجعلتها حبلى بتصعيد التوتر .
وفي هذه الظروف، كما يبدو، خابت آمال الفلسطينيين في إمكانية التوصل إلى حل وسط مع الحكومة "الإسرائيلية"، وتوجهوا إلى مجلس الأمن بمشروع قرار حول أطر التسوية السلمية . وأود أن أشير إلى أن روسيا إلى جانب بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن دعمت هذه الوثيقة، لكن مشروع القرار لم يحظ بالأغلبية المطلوبة من الأصوات .
بطبيعة الحال يقلقنا هذا النزاع المحتدم، ولذلك نبقى على الاتصال الدائم مع قيادتي فلسطين و"إسرائيل" . وندعو الطرفين بإلحاح إلى اتخاذ خطوات من شأنها التقارب بين بعضهما البعض والبحث عن نقاط التماس لتطبيع الأوضاع . وسنستمر في اتباع هذا النهج من خلال القنوات الثنائية وفي محافل دولية مختلفة وفي مقدمتها الرباعية الدولية للوسطاء الدوليين التي لابد من تنشيط دورها . كما نعتبر أنه من المهم ضمان التنسيق المكثف لجهود الرباعية مع مصر والدول العربية الأخرى .
ما الخطوات التي تتبناها روسيا لتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني؟
بلا مغالاة، تساهم روسيا بقسط كبير في تسوية قضية البرنامج النووي الإيراني . وجوهر موقفنا منه هو الاقتناع بأن إيران يحق لها القيام بالنشاط النووي السلمي بما فيه تخصيب اليورانيوم، وذلك بالطبع تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية .
وكان من الصعب إقناع شركائنا في "السداسية" بالموافقة على موقفنا هذا . وفي البداية دعونا وبصورة مستمرة جميع الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات وبدء الحوار الجدي حول سبل تسوية هذه القضية . وألححنا على عدم وجود أي بديل آخر للتسوية بالوسائل السياسية والدبلوماسية . وبعد ذلك طرحنا عليهم قاعدة عامة للسير في هذا الطريق، وهي أن يكون التعامل مع البرنامج النووي الإيراني بصورة مرحلية وعلى أساس المعاملة بالمثل . وقد حظي مقترحنا هذا بدعم جميع المشاركين في عملية التفاوض .
أما الآن فتسير المفاوضات بشكل مكثف وتم إحراز تقدم ملموس، لكننا حتى الآن فشلنا في التوصل إلى تسوية نهائية وشاملة فيما يخص البرنامج النووي الإيراني بالذات وآفاق رفع العقوبات عن إيران .
ونتطلع لمواصلة العمل في هذا الاتجاه . ومن المهم ألا يسعى احد إلى جني الفوائد الأحادية الطرف أو الحصول على أرباح زيادة عما هو مطلوب للتسوية المتزنة والشاملة لهذا الموضوع المعقد .
يعتبر خطر الإرهاب خاصة الناجم عن تنظيم "داعش" من التحديات الأكثر خطورة التي تواجهها حالياً منطقة الشرق الأوسط والمجتمع الدولي بأسره . . ما رأيكم في آفاق التعاون الروسي - المصري للتصدي لهذا الخطر؟
يشكل تنظيم "داعش" الإرهابي تحدياً غير مسبوق للمجتمع الدولي . وفي حقيقة الأمر يحاول الإرهابيون بسط سيطرتهم على جزء هائل من أراضي العراق وسوريا التي يقطنها نحو 10 ملايين من السكان . وقد بدأوا يهددون الدول الواقعة بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما شاهدناه في كل من فرنسا وأستراليا وكندا .
ويعود أغلب أسباب ما يحدث حالياً في العراق وسوريا إلى التدخل الخارجي السافر وعدم تقدير العواقب في شؤون المنطقة والعمليات العسكرية الأحادية واعتماد "المعايير المزدوجة" وتقسيم الإرهابيين إلى "الطيبين" و"الأشرار" .
ويؤسفنا استنتاج أن الخطوات التي تتخذها الدول المشاركة في التحالف لمحاربة الإرهاب وإستراتيجيتها وتكتيكها لا تتناسب ومدى الخطر القائم وطبيعته، الذي لا يمكن احتواؤه بمجرد توجيه ضربات جوية، كما تفتقد هذه الخطوات الشرعية لأنها تتم من دون التفويض المباشر من مجلس الأمن وفي بعض الأحيان من دون موافقة الدول التي تتعرض أراضيها للغارات الجوية . في حين تجري الحملة ضد الإرهاب في العراق بالتعاون مع بغداد، حيث يرفض هذا التحالف التعامل مع السلطات الشرعية في دمشق .
وتدعم روسيا تضافر جهود المجتمع الدولي من اجل مكافحة الإرهاب على أساس القانون الدولي واحترام السيادة ووحدة الأراضي لجميع الدول . وإننا مهتمون بتعزيز التعاون في هذا المجال مع مصر الصديقة سواءً كان في إطار علاقاتنا الثنائية أو في إطار منظمات دولية، خاصة أن دولتينا تعرضتا مراراً لهجمات إرهابية .
ما تقييمكم للأوضاع في أوكرانيا ورؤيتكم للطريق الأمثل للخروج من الأزمة؟
أود أن أذكّر المصريين بأن الأزمة الأوكرانية لم تندلع بسبب روسيا، بل جاءت نتيجة لمحاولات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين - الذين اعتبروا أنفسهم "الفائزين" في الحرب الباردة - فرض إرادتهم على كل بقاع العالم . واتضح أن الوعود التي قدمها حلف شمال الأطلسي (الناتو) للقيادة السوفييتية في حينها بشأن عدم امتداده إلى الشرق "كلام فارغ" . وقد تابعنا زحف الناتو باتجاه الحدود الروسية وذلك إهمالاً لمصالح روسيا .
وعلاوة على ذلك، كانت هناك - في إطار برنامج "الشراكة الشرقية" للاتحاد الأوروبي - محاولات لفك الارتباط بين روسيا وبعض الجمهوريات السوفييتية السابقة ووضعها أمام الخيار المصطنع، إما أن تكون "مع روسيا" أو "مع أوروبا" . وبلغت هذه التوجهات السلبية ذروتها عند اندلاع الأزمة الأوكرانية . وقد حذرنا الولايات المتحدة وشركاءها الغربيين مراراً من العواقب الوخيمة للتدخل في شؤون أوكرانيا الداخلية لكنهم لم يستمعوا إلى رأينا .
وفي فبراير/ شباط السنة الماضية دعمت الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي الانقلاب على السلطة في كييف . ووضع المتشددون القوميون الذين استولوا بقوة على السلطة البلاد على حافة التفكك وشنّوا حرب الاقتتال الأهلي .
وللأسف نشاهد اليوم أن "حزب أنصار الحرب" في كييف المدعوم بنشاط من الخارج يواصل محاولاته لدفع الشعب الأوكراني إلى هاوية الكارثة على النطاق الوطني . وتصاعدت الأوضاع في منطقة حوض دونيتسك (دونباس) بصورة حادة حيث استأنفت القوات الأوكرانية قصف مدينتي دونيتسك ولوغانسك وغيرهما من مدن وقرى هذه المنطقة وتواصل تعزيز قدراتها العسكرية هناك . وأعلنت السلطات الأوكرانية جولة جديدة من التعبئة العامة وسط نداءات للأخذ بالثأر على خلفية "الهزائم الحربية" التي حصلت في الصيف الماضي ولإعطاء دونباس طابعاً أوكرانياً بشكل إجباري .
وتنظم أوكرانيا اقتصادها تنظيماً عسكرياً بوتيرة سريعة، وهذا ما تؤكده الإحصاءات، حيث ارتفع حجم الميزانية العسكرية لأوكرانيا في سنة 2014 بنحو 41% . وتدل المؤشرات الأولية على زيادة حجمها بثلاثة أضعاف السنة الجارية، ليتجاوز 3 مليارات دولار، ما يشكل نحو 5% من الناتج الوطني الإجمالي، بينما كان الاقتصاد الأوكراني في حالة يُرثى لها، ويعتمد حتى الآن في الغالب على الأموال الأجنبية بما فيها الروسية .
ولا شك أن كل ذلك يثير قلقنا الشديد، لكننا نأمل في أن العقل السليم سيتغلب على كل الاعتبارات الأخرى . وتدعم روسيا بثبات التسوية الشاملة والسلمية للازمة الأوكرانية على أساس اتفاقية "مينسك" التي تم التوصل إليها بدرجة كبيرة بفضل المبادرة التي طرحتها روسيا إضافة إلى جهودها البناءة .
وأهم شروط إعادة الاستقرار للأوضاع هو الوقف الفوري لإطلاق النار، ووضع حد لما يُسمى بعملية محاربة الإرهاب في جنوب شرق أوكرانيا، وهي في الحقيقة عملية تنكيلية . فان محاولات كييف لممارسة الضغوط الاقتصادية على دونباس ومحاصرة نشاطها الحيوي تزيد الأوضاع تعقيداً، حيث إن ذلك طريق مسدود قد يؤدي إلى كارثة هائلة .
وفي ظل هذه الأوضاع من البديهي أن الأزمة ستستمر حتى لا يتوافق الأوكرانيون فيما بينهم ولا يضعوا حداً لسطوة الراديكالية والتشدد القومي ولا يلتف المجتمع الأوكراني حول القيم الايجابية والمصلحة الحقيقية لوطنهم . ولإنهاء الأزمة لابد للسلطة في كييف من سماع صوت شعبها، وذلك من اجل التوصل إلى التوافق مع جميع القوى السياسية والأقاليم للبلاد وبلورة صيغة النظام الدستوري للدولة التي ستضمن لجميع مواطنيها الحياة في رخاء وأمان واحترام حقوق الإنسان بأكملها .
ولا بد الآن من بذل كل الجهود لكي يجلس طرفا النزاع وراء طاولة المفاوضات . وفي هذا الصدد تدعم روسيا إقامة اتصالات مباشرة ومستمرة بين كييف، من جهة، ودونيتسك ولوغانسك من جهة أخرى، والمضي في العمل ضمن مجموعة اتصال . ومن جانبنا نحرص على التشجيع الفعال في هذا الاتجاه .
إلى أية درجة تأثر الاقتصاد الروسي من تخفيض الأسعار العالمية للنفط؟ وبرأيكم ما التداعيات لهذه الظاهرة على مستقبل الاقتصاد العالمي بصورة عامة ودول منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة؟
إن روسيا لاعب مهم في العلاقات الاقتصادية العالمية . وبالتأكيد يتأثر الاقتصاد الروسي بالتقلبات الحادة في الاقتصاد العالمي، بما فيها تخفيض أسعار النفط بنسبة كبيرة، حيث يؤدي ذلك إلى بعض المشاكل في اقتصاد روسيا كونها من اكبر الدول المستخرجة للنفط عالمياً، ومن بين التداعيات تقليص موارد الميزانية والنفقات الحكومية لتأمين النمو الاقتصادي وتنفيذ المشاريع الاستثمارية للشركات النفطية .
والجدير بالذكر انه ليس أول مرة نواجه مثل هذه المشاكل، فقد اكتسبنا تجربة كبيرة من الأزمة السابقة في 2008-2009 . بعد خروجنا منها وادخرت روسيا آنذاك، مثلما هو الآن، احتياطات ضخمة تسمح لها بالتغلب على العوامل السلبية .
كما أقرت الحكومة الروسية الخطة الواسعة النطاق لكفالة التنمية الاقتصادية المستدامة والاستقرار الاجتماعي . وتتضمن هذه الخطة دعم القطاع الإنتاجي للاقتصاد والمؤسسات الائتمانية الرئيسية والتشجيع على معدل العمالة ومساعدة قطاع الأعمال الصغير والمتوسط . كما نواصل العمل على تيسير نفقات الميزانية والسياسة الائتمانية والمالية .
أما فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط التي اعتادت أن تلعب فيها الدول المستخرجة للنفط دوراً بارزاً فتؤثر فيها أسعار النفط تأثيراً سلبياً ملحوظاً . وقد تم اعتماد الميزانيات في الكثير من دول المنطقة على أساس أسعار للنفط أعلى مما هي الآن . وإلى جانب ذلك شهدت المنطقة تحديات جديدة تتطلب مواجهتها تعبئة موارد إضافية . ومن هنا يزداد الإدراك لدى دول المنطقة بضرورة الاستقرار في السوق النفطية وإيجاد التوازن بين الطلب والعرض . أما الخطر الأكبر لانخفاض أسعار النفط فيكمن في أن قطاع النفط والغاز يصبح أقل جذباً للمستثمرين الذين يُضطرّون إلى التخلي عن تطوير حقول النفط والغاز التي من الصعب استغلالها تكنولوجياً، وكذلك مشاريع تطوير البنية التحتية . ولهذا السبب سيؤدي ذلك إلى التقليص التدريجي الذي لا مفر منه لعرض النفط في السوق . وبالتالي قد يحصل في لحظة محددة تعديل قوي لأسعار النفط في الاتجاه المعاكس من شأنه أن يسبب صدمة اقتصادية حقيقية . ومثل هذه الصدمات لا يرضى عنها منتجو النفط ولا المستهلكون ولا الاقتصاد العالمي بأكمله . وأود أن أكرر: إن سوق الطاقة القابلة للتنبؤ والمستقرة تتجاوب لمصالح جميع الدول . لذلك يجب في الظروف الراهنة تضافر جهود الأطراف بالسوق العالمية لخلق الأجواء المناسبة من أجل تطوير وثيق وطويل الأمد .

* ينشر بالتزامن مع "الأهرام"

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"