عادي
خبراء في واشنطن: الأثرياء في الولايات المتحدة ليسوا نزيهين ولكن..

تسريبات بنما.. لماذا أغفلت الشخصيات الأمريكية؟

05:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: عمار عوض

ثلاثة أيام وصحافة العالم والمهتمون، وعامة الناس، يتناقلون أخبار «أوراق بنما»، أكبر عملية تسريب وثائق في التاريخ، لهثت خلالها غرف الأخبار وصالات التحرير في الصحف، وهي تبث وتنشر أخبار المتورطين الذين وردت أسماؤهم في قرابة 11.5 مليون وثيقة، وطالت مئات الأشخاص وعشرات من زعماء العالم، بينما كان هناك سؤال بعد أن راحت السكرة وجاءت الفكرة يطرح نفسه، أين الأمريكيون من هذا التسريب؟ لماذا لا نجد شخصيات أمريكية معروفة من شارع المال وول استريت؟ هل الأمريكان أنزه الناس في التعامل مع الضرائب والملاذات الضريبة الآمنة؟
يقول ديفيد اسميث من صحيفة «الغارديان» في واشنطن، إن عدد الأمريكيين الذين تناولتهم وثائق بنما 200 شخص، لكن الغريب في الأمر أنها شخصيات غير معروفة في شارع المال في وول استريت، وأن الكثير من الذين وردت أسماؤهم من المعروفين لدى العامة هم موجودون في السجن نتيجة أحكام قضائية تتعلق بالضرائب، مثل روبرت ميركال الذي كان أحد المساهمين النشطين في عدة شركات «أوفشور» أنشأها مكتب المحاماة البنمي موساك فونسيكا في الجزر العذراء البريطانية، وكان يستثمر في حقول النفط الإندونيسية، وحكم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً بعد اعترافه بأنه مذنب بالاحتيال والتهرب الضريبي.
واستشهدت ماكلاتشي التي شاركت «الغارديان» في التحقق من الوثائق بحالة انتوني غومبنير الذي سبق له أن عوقب بدفع 1.7 مليون دولار عام 1996، وأن مجموعته هاللوود طلبت حمايتها من الإفلاس عام 2009 وتوقف نشاطها عام 2011.
ومن الأسماء التي وقعت في الشباك بنيامين واي رئيس المجموعة العالمية في نيويورك، الذي جرى اتهامه العام الماضي بتهمة تزوير أوراق مالية، وأن المتهم بنيامين استخدم شركات «افشور» عبر مكتب المحاماة البنمي الذي تسربت منه الأوراق لإخفاء المعاملات المعقدة بين الشركات الصينية والأمريكية.
وهناك ايجور اولنيكوف ملياردير العقارات في ولاية فلوريدا، وأحد المساهمين في شركة أولين للنفط المحدودة، وحكم عليه بالسجن عام 2007 لمدة سنتين بتهمة التهرب من الضرائب، ودفع غرامة 52 مليون دولار بعد عدم إعلانه عن أكثر من 200 مليون دولار في شركات وهمية في الخارج.
ووفقاً لتحليل ماكلاتشي عن كنز الوثائق المسربة، هناك على الأقل صور لـ200 جواز سفر أمريكي في ملفات مكتب المحاماة، وأن قاعدة البيانات تحوي عناوين سكن لـ3500 من مساهمي الشركات «الافشور» موجودة في الولايات المتحدة، لكن مع هذا يظل السؤال قائماً من جهة لماذا الشخصيات المشهورة التي وردت أسماؤهم هم من الذين يقضون أحكاماً قانونية في السجن للتهرب من الضرائب؟ وأن بقية الأسماء وعناوين الأشخاص هي لأناس عاديين، ولا تأثير لهم في الحياة العامة؟ كان هذا جوهر التساؤل الذي عكف على الإجابة عنه موقع بولتيكو الأمريكي الشهير، الذي أشار إلى حقيقة أن الأمريكان الأثرياء وفق آخر التقارير عام 2014، لديهم حسابات مالية في الخارج للتهرب من الضرائب، وان الأموال التي تدور في هذه الحسابات تصل إلى 1.2 ترليون دولار. ويرى بعض الأساتذة المختصين أن الأمريكيين ربما أخفوا حساباتهم خلف شخصيات أخرى، وإن كان هذا التفسير غير مقنع لضخامة مبالغ التهرب من الضرائب في الولايات المتحدة، يقول ادوارد كلينبيرد أستاذ القانون الدولي في جامعة جنوب كاليفورنيا، إن الأمريكيين الأثرياء عندما يرغبون في التهرب من الضرائب فإنهم يتجهون إلى جزر كايمان، أو سنغافورة ولا يذهبون بأموالهم إلى بنما. وقال «اعتقد بنما بلد غير مرغوب فيه لأنه ينظر إليها على أنها ناشز نسبة إلى المعايير العالمية». ويوضح بالقول: إذا كانت الوثائق هذه خرجت عام 1980 كان تورط الأمريكيين سيظهر بوضوح شديد، خاصة أن الأثرياء في أمريكا تجنبوا بنما منذ غزوها عام 1989 من قبل الولايات المتحدة، وخلع الديكتاتور مانويل نورييغا، وأن الأثرياء يثقون أكثر بسنغافورة وجزر كايمان لأنها تجمع بين قوانين السرية المصرفية القوية والنظام القانوني والسياسي المستقر.
بينما اتجهت شيما باراداران بومان، وهي أستاذة جامعية بكلية القانون في جامعة يوتا الأمريكية،للقول : يستطيع الأمريكيون تكوين شركات وهمية في ولاية وايومنغ، أو ولاية ديلاوير، أو ولاية نيفادا الأمريكية، فليسوا في حاجة إلى الذهاب لبنما من أجل تكوين شركة وهمية لاستغلالها في أنشطتهم غير المشروعة.
وقال جاك بلوم، وهو محام من واشنطن وخبير بأنشطة المعاملات الخارجية، أحد الأمور الصادمة في تلك الوثائق أن شركة «موساك فونسيكا» لديها شركة فرعية تعمل على إنشاء شركة معاملات خارجية في ولاية نيفادا الأمريكية، فضلاً عن أن حكومة الولايات المتحدة كانت تتحدث عن الأمر لسنوات عديدة، حيث كانت الحكومة تتحدث عن إجبار الشركات الأمريكية على الإفصاح عن المالك المنتفع منها. وإنها لحقيقة محزنة أن عدداً من الإدارات رفضت تحقيق ذلك المطلب. كل ما سبق يطرح تساؤلاً مهماً هل يعني هذا أن الأمريكيين أشرف من بقية العالم؟ يقول جاك بلوم: لا، بكل تأكيد. فإني أجرؤ أن أقول إننا، أقصد الدولة، لسنا أنزه من أي شخص آخر، بينما قالت شيما بومان: ليس بالضرورة. ففي الحقيقة عرضت بعض الأبحاث التي أجريتها أن الشركات الأمريكية تعتبر أكثر الشركات خرقاً لقوانين الشفافية الدولية. هذا من ناحية قانونية، لكن إذا نظرنا إلى الموضوع من ناحية سياسية يجب علينا أن نضع في الاعتبار ما قاله الكرملين، الذي اعتبر أن الرئيس فلاديمير بوتين هو المستهدف الرئيسي فيها، عندما قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين إن «بوتين، وروسيا وبلادنا واستقرارنا والانتخابات المقبلة، كلها الهدف الرئيسي، خصوصاً من أجل زعزعة الوضع». كما قال الكرملين إن الصحفيين الاستقصائيين الذين عملوا على «أوراق بنما» المسربة حول الملاذات الضريبية لشخصيات بارزة في العالم هم مسؤولون أمريكيون سابقون وعملاء سابقون في وكالة الاستخبارات الأمريكية.
وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ما ساقه الكرملين من تحليلات، يظل العمل الذي قام به الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين عملاً صحفياً كبيراً، لكن يظل السؤال الذي بدأنا به قائماً وحائراً: أين أمريكا من كل ذلك؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"