عادي

«كورونا» والمسؤولية القانونية الدولية

02:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. حسام حسن حسان *

لا يمكن للدول مقاضاة الصين بدون موافقتها أمام محكمة العدل الدولية أو التحكيم الدولي، . فالقضاء الدولي بيقوم
على مبدأ أساسي وهو احترام سيادة الدول
قامت الصين بعمل مخالف لالتزام دولي طبقاً للالتزامات الواردة في اللوائح الصحية لعام 2005، وتكمن المخالفة في أنها انتهكت أحكام نص الفقرة الأولى من المادة 6 من اللوائح الصحية لعام 2005 التي تُلزم كل دولة طرف في منظمة الصحة العالمية في غضون 24 ساعة بإخطار المنظمة بجميع الأحداث التي تشكل طارئة صحية عمومية تثير قلقاً دولياً. وتلزم الفقرة الثانية من المادة 6، الدول بعد الإخطار بضرورة إبلاغ المنظمة بالمعلومات الدقيقة المتعلقة بمجال الصحة العمومية.
وأكدت المادة 7 إلزام الدول بعد الإخطار بتزويد المنظمة بكافة المعلومات ذات الصلة بالصحة العمومية. وبتطبيق هذه النصوص التي تعد من قبيل القواعد الآمرة، نجد أن الصين ارتكبت خطأ جسيماً يتمثل في تراخيها في الإبلاغ عن ظهور الوباء، وكانت نتيجة تراخيها، انتشار الفيروس على نطاق واسع في العالم حتى أصبح جائحة عالمية.
فالثابت أن الفيروس ظهر في أوائل شهر أكتوبر 2019، وليس في ديسمبر 2019 كما تزعم الصين، ومن ثم كان يجب على الصين منذ بداية ظهوره أن تُغلق جميع مطاراتها وموانئها، وتمنع مغادرة الأشخاص خارج حدودها وتبلغ المنظمة خلال 24 ساعة بهذه الحادثة، لكن هذا لم يحدث وهو خطأ جسيم مخالف للمادتين 6 و7. ومن ثم بات واضحاً مسؤولية الصين قانوناً عن أضرار عالمية فادحة في الأرواح والأموال، ولكن كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يقاضي الصين على تلك الجائحة؟
لا يمكن للدول مقاضاة الصين بدون موافقتها أمام محكمة العدل الدولية أو التحكيم الدولي، كما يزعم البعض. فالقضاء الدولي بصفة عامة يقوم على مبدأ أساسي وهو احترام سيادة الدول الذي يتطلب موافقة الدول كشرط أساسي للمثول أمامه. ولو لم تكن الموافقة شرطاً أساسياً لاستطاعت الدول العربية مقاضاة «إسرائيل» منذ زمن طويل على حقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك قيام الإمارات بمقاضاة إيران على حقوقها في الجزر الإماراتية المحتلة أمام محكمة العدل الدولية.
كما أن ما ذهب إليه البعض من ضرورة محاكمة الصين أو زعماء الحزب الشيوعي أمام المحكمة الجنائية الدولية، هو قول تعوزه الدقة، فهذه المحكمة تختص بمحاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة العدوان، وما من شك أنه لم يثبت ارتكاب زعماء الحزب الشيوعي لهذه الجرائم بخصوص «كوفيد 19».
يواجه الباحثون معضلة قانونية كبيرة، فمن ناحية، لا يمكن إدانة الصين في مجلس الأمن الدولي، فهي تتمتع بحق الفيتو، ومن ناحية أخرى، توجد إشكالية إخضاع الصين باعتبارها الدولة المتسببة في انتشار الوباء للمثول أمام محكمة العدل الدولية.
ولتجاوز مسألة توافر الاختصاص القضائي، نقترح الاستراتيجية التالية وهي أنه يمكن قيام كل الدول بتجميد أصول وأموال الشركات الصينية المملوكة للدولة، لإجبار بكين على دفع تعويضات، وفي حال لجأت الصين لمقاضاة تلك الدول يتم الاحتكام للقانون الدولي في ما يخص الوباء ومسؤولية الصين عنه، وهذا السيناريو قريب لما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في قضية الرهائن الأمريكيين المحتجزين في طهران منذ عام 1979 حتى 1981، فتسوية تلك القضية تمت بعدما جمدت الولايات المتحدة الأرصدة الإيرانية لإجبار إيران على المثول أمام محكمة العدل الدولية، مما أدى إلى سعي إيران إلى إنهاء القضية في الجزائر، وتوقيع معاهدة صلح تم بمقتضاها الإفراج عن الرهائن بعد مرور 444 يوماً، وفكت الولايات المتحدة تجميد الأموال الإيرانية.
هناك طريقة أخرى لا تتطلب موافقة الصين للجوء إلى محكمة العدل الدولية، وهي اللجوء إلى الاختصاص الإفتائي لمحكمة العدل الدولية. ووفقاً للمادة 96 يجوز للدول أن تهرب من الفيتو في مجلس الأمن الدولي وتلجأ للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتضغط عليها لكي تقوم بنفسها أو تأذن لغيرها من أجهزة الأمم المتحدة بما فيها منظمة الصحة العالمية لطلب فتوى من محكمة العدل الدولية، بشأن مسؤولية الصين عن تفشي «كوفيد 19».
ولا شك في أن للفتوى قيمة قانونية وأدبية كبيرة، فلقد حصلت ناميبيا على استقلالها عن جنوب إفريقيا بسب فتوى لمحكمة العدل الدولية عام 1971.
كما أن فتوى عدم مشروعية الجدار العازل «الإسرائيلي» كانت سبباً قوياً في تقييد «إسرائيل» وإحراجها أمام المجتمع الدولي. ولا شك في أن متابعة مثل هذه القضية أمام هيئة قضائية كبرى كمحكمة العدل الدولية، يمكن أن يؤدي إلى انتصارات سياسية كبيرة. وعلينا تذكّر أن البشرية لن تواجه انتهاكات للقانون الدولي بخصوص تلك الجائحة كل يوم، وأن الاستثمار القضائي والقانوني يغدو متطلباً لا غنى عنه.

* محكم وخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"