إمارات «الأمل».. والواهمون

04:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

الإمارات دولة تكتب التاريخ لها ولغيرها بأحرف من نور، وتكتبه بالعمل وقلة الكلام وكثرة الإنجاز

نعيش في عالم من التناقضات العجيبة، وهو ليس بالأمر المستحدث، بل قديم قدم الوجود البشري، ولكن حدة التناقض زادت وكشفت صعوبة التوافق بين دعاة الخير وصناع الشر، والساعين للسلام والمقتاتين على الحروب ونشر النزاعات، وبين أهل الرحمة والوئام الإنساني وأهل العنف والإرهاب والخراب.

في عالمنا دول تسعى لاستعادة زمن البلطجة العسكرية والاستعمار واحتلال أراضي الغير ونهب خيرات الآخرين ونشر الدمار وزهق الأرواح وري الأرض بالدماء، ودول تسعى إلى السلام وتبادر إلى الخير وتدعو لوأد الفتن المتنقلة هنا وهناك، ومحاصرة الفوضى وإطفاء النيران المشتعلة في أماكن عدة وفض الاقتتال ونشر الرحمة ومقاومة العنف والإرهاب.

على خريطة الكوكب الذي يحتوينا جميعاً، دول تتملكها أوهام الماضي، تسعى لإعادتنا إلى أعماق التاريخ، وإغراق البشرية في وحوله وأوهامه، ولو التفتّ شرقاً أو شمالاً أو في أي اتجاه حسب موقعك، ستجد هذه الدول وقد تحولت إلى مراكز لإيواء الإرهابيين وتمويل الهدامين وتسليح المخربين، وعلى الكوكب أيضاً دول تتطلع للمستقبل، وتدعم العلم وتبادر إلى تبني المواهب وتكريس قيم الحق والجمال والرحمة؛ ولعل النموذج الأكثر سطوعاً في ذلك، دولة الإمارات العربية المتحدة التي تفاجئ العالم من حين لآخر، بالمبهر من الإنجاز والمفيد من المبادرات، وهي الدولة التي لم يغرها يوماً أن تستغل أنها فتية وعفية في سلوك طريق المراهقين في السياسة والطامعين في الآخر، لإدراك قادتها أن المراهقة في الحكم لا تجلب سوى الخراب على الذات وعلى الإقليم وعلى العالم كله.

الإمارات اتخذت الاعتدال نهجاً في السياسة وفِي الإدارة، ولَم تنشغل أبداً بذاتها فقط، ولكنها مثلما انشغلت بتنمية العقول وتطوير الداخل، انشغلت أيضاً بأن تنثر بذور الخير على الإقليم وعلى العالم، وامتدت أياديها البيضاء إلى المحتاجين والمعوزين في أربع جهات الأرض.

في الوقت الذي ينشغل فيه أردوغان ومن شابهوه بنزع شرايين وأوردة الماضي السحيق من قلب التاريخ وعبور الحدود والبحار لغزو أراضي الجوار القريب والبعيد، تنشغل الإمارات بعبور الفضاء والقفز إلى المستقبل، وبعد أن شغلت العالم العام الماضي بإرسال هزاع المنصوري كأول رائد فضاء عربي إلى المحطة الفضائية الدولية، تستعد لشغله مرة أخرى بخطوة أكثر تقدماً، بإرسال أول مسبار عربي إلى المريخ بعد ٣ أيام، ليحط رحاله على الكوكب الأحمر بعد ٧ أشهر في إطار احتفالاتها بيوبيلها الذهبي؛ فكل شيء محدد والمواعيد لم تبدلها تحديات ولَم تؤجلها جائحة كورونا التي أجلت الكثير والكثير من الفعاليات والإنجازات حول العالم، ولكن في دولة الإرادة الفتية والإدارة الحكيمة كل شيء ممكن ولا مستحيل في الحياة.

المسبار كان مجرد فكرة وحلم قبل ست سنوات، ووقتها اعتبره بعضهم مجرد كلام، ولكن الإمارات ليست من هواة الكلام الاستهلاكي، والأربعاء المقبل سيرى العالم كله أن الفكرة تحولت إلى حقيقة وأن الحلم صار واقعاً، وأن المسبار ينطلق إلى الكوكب الأحمر حاملاً معه اليقين الإماراتي بأن «لا شيء مستحيل»، والأمل العربي في مستقبل يستعيد خلاله أبناء العروبة مكانة أجدادهم المفقودة وريادتهم الحضارية.

المسبار هو مسبار الأمل، والأمل كبير في شبابنا بعد أن نجح شباب الإمارات في تصنيع المسبار بأيديهم وعقولهم وإيمانهم بذواتهم وبدعم قياداتهم لهم وإيمانها بقدراتهم اللامحدودة.

وفِي ذات الوقت أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الأسبوع الماضي إطلاق برنامج «نوابغ الفضاء العرب»، الأول من نوعه عربياً لاحتضان ورعاية الإمارات لمجموعة متميزة من المواهب والنوابغ العرب، وتدريبهم وتأهيلهم في علوم الفضاء وتقنياته، وتجهيزهم بالمهارات والقدرات والخبرات اللازمة للعمل في قطاع الصناعات الفضائية.

مبادرة جديدة تضاف إلى رصيد الإمارات المتخم بالمبادرات الإنسانية والمشجعة للمواهب والهادفة إلى استعادة الريادة العربية المفقودة.

الإمارات دولة تكتب التاريخ لها ولغيرها بأحرف من نور، وتكتبه بالعمل وقلة الكلام وكثرة الإنجاز، بعد أن أكدت للجميع أنها نموذج لا يلتفت إلى الخلف ولا تعيقه تحديات، وأنها ستظل صخرة صامدة في وجه دعاة الإرهاب والعنف والعودة إلى مجاهل الماضي، وستظل صاحبة موقف ضد الغزاة الساعين لاحتلال أراضي الغير وسلب خيراته مع أشقائها الرافضين لجر الإقليم والعالم إلى فوضى هدامة وفتنة سيكون أول ضحاياها مشعليها، وأول المكتوين بنارها الذين يتخذون الصمت ملاذاً والسلبية نهجاً، ويهربون من مواجهة المعتدين على أراضينا والمشوهين لبعض فصول تاريخنا والناهبين لثرواتنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"