الإمارات تصنع السلام

04:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد خليفة

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا تزال، أول المدافعين عن فلسطين وعن حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وحقوقه المسلوبة. ويسجل التاريخ بأحرف من نور مواقف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، التي اتسمت بالوضوح والثبات تجاه القضايا العربية، وخصوصاً قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي.
ولم تتغير سياسة دولة الإمارات تجاه القضية الفلسطينية؛ بل ظلت وبقوة تقوم بالتنسيق مع دول المجموعة العربية والإسلامية من أجل الضغط على إسرائيل، ودفعها إلى العودة إلى الحق والقبول بمبادرة الأرض مقابل السلام. ومع تصدع الجدار العربي منذ عام 2011، وتغير أنظمة وحكومات انكفأت على شؤونها الداخلية، وما أعقب ذلك من فوضى، لا يزال بعضها مستمراً حتى الآن، ما أدى إلى تراجع المواقف العربية، وباتت غالبية الدول العربية منشغلة بمشاكلها الداخلية، وصراعاتها الحزبية الضيقة. لكن دولة الإمارات ظلت وفية لمبادئها، وثابتة على موقفها، وظلت تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وقد استغلت إسرائيل كالعادة حالة الضعف العربي، فأعلنت في العام الماضي ضم هضبة الجولان السورية إليها، وسارعت الإدارة الأمريكية إلى الموافقة على هذا الضم، واعترفت بسيادة إسرائيل على هذه الأرض السورية. وقد أعربت دولة الإمارات، حينها، عن أسفها واستنكارها الشديدين لقرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، وأكدت أن هذه الخطوة تقوض فرص التوصل إلى سلام شامل وعادل في المنطقة.
وفي مطلع شهر يونيو الماضي، وضع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، خطة لضم ما بقي من أرض الضفة مع غور الأردن إلى إسرائيل. وقد دانت دولة الإمارات الخطة الإسرائيلية لضم هذه الأراضي، وتحركت دبلوماسيتها لدى الولايات المتحدة من أجل وقف هذه الخطوة، فكان الاتفاق التاريخي وهو السلام مقابل وقف ضم الأراضي. حيث اتفق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الخميس 13 أغسطس، على أن تتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراضٍ فلسطينية وفقاً لخطة ترامب للسلام.
وذكر البيان المشترك، أن من شأن هذا الإنجاز الدبلوماسي التاريخي، أن يعزز السلام في المنطقة، وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة، والرؤية التي تحلى بها القادة الثلاثة، وعلى شجاعة الإمارات وإسرائيل لرسم مسار جديد يفتح المجال أمام إمكانيات كبيرة في المنطقة.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله،: «التاريخ يكتبه الرجال والسلام يصنعه الشجعان». وفي الوقت نفسه أكدت دولة الإمارات التزامها الثابت، بمبادرة السلام العربية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وهذا يعني أن موافقة الإمارات على السلام مع إسرائيل مشروطة بتوقف هذه الأخيرة، عن ضم أراضي الضفة وغور الأردن، وإفساح المجال أمام تحقيق سلام حقيقي. ومن هنا، فإن هذه الخطوة الإماراتية تعكس الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة في التعامل مع الملف الأصعب في المنطقة، وهو ملف الصراع العربي مع إسرائيل، الذي مر عليه الآن أكثر من سبعين عاماً، وهذه الخطوة الموفقة جعلت من الإمارات حارساً للحقوق العربية في فلسطين في هذا الوقت العصيب من تاريخ الأمة، وفي ظل حالة الضياع التي تعيشها دول عربية عدة.
إن السلام وجه آخر للحرب، وكما أن الحروب يقودها الرجال لينتصروا فيها، كذلك فإن معارك السلام بحاجة إلى الرجال الأقوياء الذين يعرفون كيف يكسبون الشيء الكثير من حقوقهم. وقد ثبت بالدليل أن العرب لا يستطيعون تغيير المعادلة الدولية التي فرضت أمراً واقعاً يستحيل تغييره في الوقت الراهن، ولا يبدو أنه سيتغير في المنظور القريب؛ لارتباطه بقوى عسكرية واقتصادية تفرض سيطرتها على القرار الأممي.
فبموجب الأمم المتحدة وقراراتها لا يستطيع أحد، حتى الفلسطينيين أنفسهم، أن ينكر أن إسرائيل ليست دولة حصلت على اعتراف معظم دول العالم. ومن هذه الرؤية، وهذا المنطلق، تسلك دولة الإمارات نهج السلام من أجل أن تحقق شيئاً إيجابياً لصالح الشعب الفلسطيني والحقوق العربية المغتصبة، وهذا يعد إنجازاً تُشكر عليه القيادة الإماراتية؛ لأنه سوف يهيئ الفرصة لاستئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين للوصول إلى الغاية المرجوة، وهي إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. وهو الأمر الذي يسعى إليه العرب جميعهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"