عادي

الكتاب الرقمي العربي لا يربح .. يحتاج إلى قوانين حمائية وقاعدة قرّاء جماهيرية

18:18 مساء
قراءة 5 دقائق
ثقافة

الشارقة: أوميد عبد الكريم إبراهيم
يشهد النشر الإلكتروني في العديد من دول العالم نموّاً مطرداً كنتيجة حتمية للتطورات المتتالية والثورة العارمة التي تشهدها تقنية المعلومات، وقد تكون هذه المسألة سهلة ومريحة عند الحديث عنها نظرياً؛ إلا أن تطبيقها عملياً على أرض الواقع يعد محفوفاً بالكثير من التحديات التي لا تزال تقف حجرَ عثرةٍ أمام ارتقاء هذه الصناعة إلى المستوى المطلوب في الإمارات، والعالم العربي عموماً.
ويُرجع عدد من الكتّاب والباحثين الإماراتيين في هذا الاستطلاع؛ أسباب عدم وصول النشر الإلكتروني في الإمارات والمنطقة إلى مستوى التطلعات والطموح؛ إلى العديد من الأسباب، والعوامل؛ على رأسها عدم وجود قوانين ضابطة تكفل حقوق الملكية الفكرية للناشر والمؤلف على حد سواء، وتفضيل أغلب المتلقين في المنطقة للمنتج الورقي على الإلكتروني؛ فضلاً عن ضعف اهتمام المنصات الإلكترونية الدولية بالمحتوى المكتوب باللغة العربي؛ إذ تعده أقلَّ ربحية بكثير، مقارنة بالمحتوى المكتوب بلغات أخرى.

** ضوابط ناظمة
تشير الكاتبة والباحثة عائشة سلطان إلى أن أول ما يجب الإحاطة به عند الحديث عن النشر الإلكتروني؛ هو الغطاء القانوني الذي من دونه يصبح النشر مشاعاً، وتضيع حقوق الناشر والمؤلف في آنٍ معاً، وهو ما لا يتوفر إلى الآن في العالم العربي عموماً؛ بعكس الدول الغربية التي وضعت عدة أطر قانونية ناظمة لهذا العمل؛ فعلى سبيل المثال سبق أن رُفعت قضايا عدة ضد شركة «جوجل» بحجة عدم وجود غطاء قانوني لبعض ما تنشره، وخسرت الشركة على إثر ذلك ملايين الدولارات؛ بينما في الدول العربية تعمل دور النشر بمفردها على حماية حقوقها، وتتابع ما ينشر لحفظه من القرصنة، أو التعدي على الملكية الفكرية.
وثمة العديد من الإشكاليات في هذا السياق، فمثلاً كلما يتم التبليغ عن منصة ما تنشر كتباً إلكترونية، ومن ثم تُغلق؛ تظهر المنصة نفسها مجدداً بشكل آخر، وطريقة مختلفة، وبالتالي فإن محاربة مثل هذه الجهات صعبة من دون وجود بيئة قانونية تحمي الناشر، والمؤلف؛ لا سيما وأن حمايتهما تعطي تصوراً إيجابية عن بيئة النشر في بلد بعينه؛ كما يفترض أن تكون هناك شفافية وحوكمة لهذه الصناعة؛ صحيح أن هناك الكثير من الدول التي وقعت على اتفاقيات حماية حقوق الملكية الفكرية، ولكن لا يكفي مجرد الانضمام إليها؛ بل يجب تطبيقها على أرض الواقع، وقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في عدم اتخاذ النشر الإلكتروني في المنطقة عموماً خطوات تذكر؛ إذ لا يمكن أن تكون هناك تنافسية من دون وجود قوانين ضابطة، وعليه فإن هناك أمرين لا يمكن تجاوزهما في هذا الإطار؛ الأول هو ضمان الحرية في المنتج الثقافي، والثاني هو وضع القوانين الضابطة، وهذا الكلام ينطبق على المنتج الورقي أيضاً، الذي يحتاج إلى قوانين مماثلة؛ لحمايته.

** عوامل ربحية
النشر الإلكتروني باللغة العربية عموماً يواجه الكثير من الصعوبات، بحسب الكاتب والباحث محمد نور الدين، الذي يقول: إن مالكي المنصات الإلكترونية العالمية لا يدعمون المحتوى العربي كثيراً؛ لأنهم يرونه أقل مبيعاً في العالم الرقمي؛ إلى جانب عقبات أخرى تتعلق بسرعة الإنترنت في العالم العربي، ونسبة المهتمين بالكتب الرقمية وغير ذلك؛ وبالتالي ترى هذه المنصات الربحية في المحتوى العربي أقل مقارنة بلغات أخرى؛ لذلك يتهربون من التعاون مع دور النشر التي تنشر الكتب العربية؛ مقابل إيلاء اهتمام أكبر بلغات أخرى، ولا أعتقد أن المشكلة تكمن في الناشرين، أو المؤلفين؛ سواء في الإمارات، أو في المنطقة العربية؛ بل إن المشكلة تكمن بشكل أوثق في هذه المنصات العالمية التي تهتم باللغات الأكثر ربحية.
وفي الإمارات، كنا سبّاقين إلى النشر الإلكتروني، وكانت لدينا تطبيقات كثيرة فيما مضى، ولكنها اندثرت مع مرور الزمن؛ نظراً لعدم وجود قاعدة جماهيرية تهتم بالإنتاج الرقمي، ولا يزال الكتاب الورقي أكثر مبيعاً في العالم العربي، وإن كانت هناك شريحة تفضل الكتاب الرقمي لكُلفته البسيطة، وإمكانية الوصول إليه بسرعة وسهولة؛ كما أن هناك باحثين يفضلون المكتبات الرقمية على مثيلاتها الورقية؛ لأنها لا تستهلك حيّزاً مكانياً؛ كما يسهل الوصول إلى المعلومة المطلوبة بسرعة ودقة، ولكن على الرغم من كل ذلك لا يزال الكتاب الورقي في المقدمة، وهناك إشكالية أخرى تتمحور حول تحويل الكتب إلى صيغة رقمية؛ حيث لا تتوفر جهات احترافية مختصة في هذا المجال بالشكل المطلوب، ولا ننسى الجزئية المتعلقة بالتعاقد بين المؤلف والناشر، والتي تتلخص في أن العقود غير الواضحة؛ تدفع الناشرين إلى الابتعاد عن هذا النوع من النشر، والمقصود هنا هو ذِكرُ الجزئية المتعلقة بالنشر الرقمي ضمن بنود العقد؛ لكي يتحرك الناشر بحرية أكبر من دون الرجوع إلى المؤلف في كل ما يتعلق بنشر المنتج.

** قرصنة واستنساخ
يؤكد الكاتب والباحث خالد عيسى أن النشر الإلكتروني لم يرتقِ حتى الآن إلى المستوى أو الطموح الذي نتطلع إليه بشكل عام؛ لأن نجاح هذه العملية يقترن بالمتلقي، وكذلك بالجهات الرسمية المعنية؛ لأن هذه الجهات بإمكانها إدراج الكتاب الإلكتروني كمقرر دراسي؛ أو كضرورة وحاجة؛ أو حتى كنتيجة، وتستطيع أيضاً أن تحفز على قراءة الكتاب الإلكتروني، والأمر ذاته ينطبق على الجامعات والوزارات المعنية التي بإمكانها تحويل هذا النوع من الكتب إلى مقررات، وبالتالي تدعم هذا التوجه، ولكن يظل المتلقي هو الطرف الأساسي في هذه المعادلة؛ لأنه الهدف بالنسبة لدور النشر، وهو من يهمه الأمر؛ لأن الكتاب موجه إليه.
ولا يزال التوجه نحو المنتج الإلكتروني ضعيفاً في العالم العربي، وهناك جزئيات أخرى تتعلق بهذه المسألة؛ من بينها تعرّض الكتب الإلكترونية للقرصنة مثلاً؛ فضلاً عن أن هناك من يُقدّم الكتب المستنسخة أو المقرصنة في ظل غياب ضوابط تحمي حقوق الملكية الفكرية؛ كما أن القارئ العربي لم يصل بعد لمرحلة انتقاء الكتب الإلكترونية بمهارة واحترافية، وبالتالي لا يزال متمسكاً بالكتاب الورقي؛ في حين نرى الكتاب الإلكتروني في أوروبا يعيش مرحلة ذهبية، ويتقدم باستمرار، وفي الوقت ذاته لم يُهمَل الكتاب الورقي هناك؛ أي أنهما يسيران متوازيين، ويبقى الاختيار بينهما مرهوناً بالمتلقي.
وفي الإمارات أنجزنا بعض الخطوات في هذا السياق قبل سنوات؛ من خلال نشر أغلب إصداراتنا الورقية عبر منصاتنا الإلكترونية، ولكن الإقبال عليها يبقى هزيلاً؛ على الرغم من أنها تباع بأسعار رمزية أقل بكثير من أسعار الكتب الورقية، وعليه ليس هناك ما يشجعُ على السير في هذا الاتجاه؛ خصوصاً أن من الصعب جداً حماية حقوق الملكية في العالم العربي بشكل عام؛ علماً بأن الإمارات أقرّت حقوق الملكية منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن تبقى الإشكالية الكبرى متمثلة في ضعف الإقبال على المنتج الإلكتروني، وعدم دخول بعض الدول العربية في اتفاقيات حماية الملكية الفكرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"