عادي

أزواج في المحاكم.. بأسماء الأطفال

23:29 مساء
قراءة 8 دقائق
أزواج في المحاكم

تحقيق :جيهان شعيب

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، دعوى طلاق رفعتها زوجة عربية؛ لإصرار زوجها على تسمية طفليهما التوأم باسمي شخصيتين كرتونيتين (نامق وعبسي). وعلى التوازي تداولت المواقع أيضاً خبر تسمية زوجة أجنبية توأمها «فيروس وكورونا»، فيما تتوالى الخلافات الزوجية التي قد يفصم عراها الأطفال - من دون أي ذنب منهم - حينما يكونون طرفاً محركاً،  ومن ذلك أيضاً واقعة حدثت في إحدى الدول العربية، وتتكرر بشكل عام، مع اختلاف التفاصيل، وتتلخص في انفصال زوجين بعد ولادة الزوجة بفترة وجيزة؛ لإصرار الزوج على تسمية ابنه على اسم والده، في حين رفضت الزوجة كون الاسم قديماً، ولم تقتنع بمبررات الزوج. وأمام تمسك كل واحد منهما برأيه تدخلت عائلة كل من (الزوج والزوجة)؛ وتطوّرت الامور إلى معركة بين العائلتين، وانتهى الموقف بالطلاق قبل تسمية المولود.

وتتعدد النزاعات؛ بسبب اختلاف الزوجين حول أمور أخرى تتعلق بالأطفال، منها قضية تطليق زوج لزوجته؛ بسبب شكواها الدائمة من تجاوز طفلهما بالقول معها، أو بالمحيطين بهم، ونزاع آخر لزوج طلق زوجته اعتراضاً على كثرة مصاريفها. نزاعات الأزواج سواء بسبب الخلاف على تسمية الأطفال، أو لسلوكات أخرى مرفوضة من الصغار وغيرها، تشهدها المحاكم التي تفصل فيها بما يحقق مصلحة الصغار، حتى في حال وجود حقوق واضحة ومحددة على الآباء الإيفاء بها لهم، وفي ذلك الآراء التالية:

عن الخلافات الزوجية حول تسمية الأبناء يقول المحامي د. عبد الله ساحوه: يقول الحق في محكم التنزيل «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله»، وجاء في الحديث عن النبي  صلى الله وعليه وسلم  «من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه، ويعلمه الكتابة، ويزوجه إذا بلغ»، فتسمية المولود من الأمور المهمة لدى الأسرة، ويثير العديد من التساؤلات بشأن انتقاء، واختيار الاسم، أو من له الحق في التسمية، وما التأثيرات الدينية، أو الاجتماعية، على اختيار الاسم كاعتماد لحظة الولادة في التسمية لاسم شروق مثلاً، أو عمر نسبة للعمرة، وأحياناً ربط التسمية بشخصية مشهورة كقائد، أو بطل مسلسل، أو باسم الأب، أو أحد الأجداد، وغيرها؛ لكن المهم من كل ذلك مدى تقبل هذا الطفل للاسم عندما يكبر، ويبلغ سن الرشد.

فمن غير الممكن والملائم والعادل اختيار اسم يعيب من يحمله، أو يسيء له أمام الآخرين، أو لا يناسب وضعه؛ حيث لابد من التأني والتروي في اختيار وانتقاء الأسماء، فمن غير المناسب مثلاً إطلاق اسم كثور أو كورونا على طفل، وإن كان الفقه قد أكد حق الأب في التسمية إذا اختلف مع الأم فيمن الأحق بالتسمية، إلا أنه من الأنسب أن يتشاور الرجل مع زوجته حول اختيار الاسم المناسب لابنهما لكل الأوقات والظروف، وللعصر والمجتمع الذي يعيش فيه الطفل، والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى تعقيده، وإهانته بين زملائه.

فالاسم رمز للإنسان، ودليل على شخصيته، وسيحمله طيلة حياته؛ لذا وجب التفكر جيداً، والتأني قبل تسمية الوالدين لطفلهما، فقد تكون للاسم تأثيرات نفسية واجتماعية، فإذا كان حسناً ملائماً للوضع الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان فلا يجب تبديله، أما إن كان سيئاً أو مخالفاً للعرف، أو يسبب الحرج لصاحبه، فمن الجيد تبديله باسم يتناسب مع طبيعة الشخص، وحياته الجديدة، ومكانته الاجتماعية، فعلى الوالدين وضع مخافة الله ومصلحة الطفل في تسميته، ومراعاة النظرة المستقبلية، عند الانتقاء، والاختيار لا المصلحة الشخصية لهما.

الاسم الذي يلائم الطفل في وقت تسميته قد لا يلائمه عندما يكبر، ويصبح أباً، أو جداً، أو قائداً؛ لذا على الآباء والأمهات أن يتحريا الأسماء المناسبة لأطفالهم سواء من الذكور أو الإناث، وأن يتقيا الله في ذلك، فإذا تنازعا حول تسمية طفلهما، كان الأب هو المُقَدَّم؛ كون المولود يُنسَب لأبيه في الدنيا، وبما أن المولود يتبع لوالده في النسب، فهو أحقُّ بأن يسميه، كما أن الأب هو الذي له القوامة على امرأته، فالحق في التسمية للأب والد الطفل- إذا كان موجوداً، وإذا كان غير موجود، فالأكبر من أولياء الطفل، مع ضرورة منح الحرية للابن عند البلوغ إذا استطاع أن يبين للسلطات المعنية وجود أسباب منطقية للتغيير.

وهذا يتطلب تشكيل لجنة مختصة لذلك من وزارت: الصحة، والعدل، والداخلية، والجنسية؛ للنظر في مثل هذه المسائل، والتي يجب أن تمنح الحق في رفض الأسماء غير المناسبة، حتى عند التسجيل الأول لشهادة الميلاد، والسماح للإنسان بطلب تغيير اسمه عند بلوغ سن الرشد.

قلة الوعي

تتحدث المحامية قمر الكسادي عن نزاعات أخرى تنشأ بين الأزواج؛ بسبب الأطفال، ولا تتعلق فقط بتسميتهم، وفي ذلك روت أن زوجة كانت تتولى تربية أطفالها، والمذاكرة لهم، ومن ثم لاحظت عدم احترام ولدها لها، وللآخرين كافة الذين يكبرونه سناً، فشكت للزوج؛ لكنه شجع الولد على سلوكه، وحاول إقناعهم أن رفض والدته لذلك، يعود لأنها تريد التحكم به، والسيطرة عليه، فتمادى الولد في عدم الاحترام، ووصل به الأمر إلى القيام بتصرفات غير لائقة أمام والده، فلم تعد تتحمل الأم هذا السلوك، ولا معاملة زوجها لها، ووقوفه مع الولد، وهنا قرر الزوج تطليقها فوراً؛ لكي لا تتم محاسبته؛ لأنه لا توجد أي أسباب للانفصال؛ حيث التعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الزوجية، تنص على أنه عند عدم توافر سبب، أو ضرر، لطلب الطلاق، فالمحكمة تصدر حكمها برفض الدعوى؛ لتقليص نسبة الطلاق في المجتمع، والمحافظة على تماسك الأسر، فيما قال الأب لابنه نحن لسنا بحاجة لوالدتك في البيت؛ لأنها تداوم على انتقادك، ونصحك، وبالطبع فالولد هو ضحية هذا الطلاق المتعسف، فالزوج استخدم الولد أداة انتقام من أمور داخلية بينه وبين زوجته، أو لغيرته من نجاحها، ولم يفكر بالعواقب، وبنتيجة سلوك وأخلاقيات ابنه، ولم يهتم بكيفية تعامل الصغير مع الآخرين كافة، خاصة من يكبرونه سناً، أو حتى مع زملائه في المدرسة، وهذا يدل على عدم الوعي، بينما الحياة بين الأزواج تحتاج إلى تفهمهم الصواب في التربية الصالحة للأولاد، من دون عناد من أي منهما.

وهنا دعوى من سيدة متزوجة منذ ما يقرب من 35 عاماً، طلبت الانفصال عن زوجها ستيني العمر؛ بناء على طلب أولادها الذي يريدون الحصول على حريتهم في الخروج والدخول متى ووقتما شاؤوا، وارتداء ما يرغبونه، والسفر بمفردهم لخارج الدولة، من دون مراجعة أو محاسبة من الأب، فيما من الواجب أن يحترم الزوجان رأي بعضهما أمام الأبناء، مع عدم السماح للصغار بالتدخل نهائياً في شؤون المنزل، والأمور الخاصة بوالديهما، وهما الأعرف بمصلحتهم، والأقدر على تربيتهم، وتعليمهم.

اختيار الأحسن

من جهة الحق الشرعي في تسمية المولود ولمن يكون للأب أم للأم، يوضح الباحث الشرعي د. السيد البشبيشي أنه من حق الولد على والديه أن يختارا له اسماً حسناً صالحاً؛ لأن الأسماء تؤثر في مسمياتها؛ ولذلك كان النبي  صلى الله عليه وسلم  يحب الأسماء الحسنة، ويشتد على عدم التسمية باسم قبيح، ويكرهه من الأشخاص، والأماكن، والقبائل، والطرق، والجبال، ولأن البلاء موكول بالمنطق والكلام، فعلى الإنسان أن يتخير أحسن الأسماء.

وتسمية المولود باسم حسن من حقه على والديه، وربما تحصل خلافات ونزاعات بين الزوجين على اختيار اسم مولودهما، وربما يبدأ الخلاف حالياً من أول معرفتهما بجنس المولود، وهو لا يزال في بطن أمه، فالزوج يقول: سميه على اسم أبي أو أمي، وزوجته تقول: ولماذا لا أفعل أنا فيفرح أبي وأمي، ويشتد النزاع وتسوء الأحوال بينهما، وبدلاً من شكرهما لله على هبته لهما، نراهما يستجلبان المشاكل، ويقول ابن القيم في التحفة: إن التسمية هي حق للأب لا للأم، هذا مما لا نزاع فيه بين الناس، وأن الأبوين إذا تنازعا في تسمية الولد؛ فهي للأب، وهذا كما أنه يُدعى لأبيه لا لأمه، فيقال: فلان ابن فلان، قال تعالى: «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله».

وهذا مما يزيد المسؤولية على الأب في أن يختار لولده ذكراً كان أم أنثى الاسم الحسن، والبعض ذهب إلى أن يختار الأب اسم المولود الذكر وتختار الأم اسم الأنثى، وهذا مما لا دليل عليه؛ ولذلك على الأب ألا يتعنت ويصر على تسمية مولوده باسم قبيح، أو منفر، أو يحمل معنى شديداً؛ لئلا يُعير به بين أقرانه في الشارع، والمدرسة، والعمل، فيبقى أبد الدهر مُعيراً، يسخر الناس منه، ويستهزئون باسمه، فينقم على من اختار له هذا الاسم من والديه.

وعلى الرغم من أن تسمية المولود شرعاً من حق للأب، فإنه ينبغي مشاورة الأم، واختيار اسم مقبول له، فإن تنازعا فالحق للأب، والولد يتبع أمه في الحرية والرق، ويتبع والده في النسب والمنسوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولد لي الليلة مولود، فسميته باسم أبي إبراهيم )، وفي التشاور بين الوالدين ميدان فسيح للتراضي والألفة، وتوثيق حبال الصلة بينهما، ولا حرج لو نادت الأم ابنتها أو ابنها باسم غير الاسم الذي سجله أبوهما في السجلات الرسمية، ويعد هذا من الكنى المستحبة، وكذلك لا يضير الأب التنازل عن حقه في تسمية مولوده، تتطيباً لنفس زوجته، وجبراً لخاطرها وأبويها، أو أن يتفقا على التبادل فيما بينهما في اختيار أسماء أولادهما، وغلق باب الخلاف والجدل؛ لكن بشرط ألا تعد الأم ذلك حقاً مكتسباً؛ بل هو تنازل من زوجها عن حقه؛ إرضاءً لها، والله أعلم.

تأثيرات سلبية

اتفق أطباء علم النفس على أن خلافات الزوجين بسبب أمور تخص الأطفال، تؤثر سلباً فيهم، حيث قد يصاب الصغار باضطرابات سلوكية واضحة، منها التوتر، والقلق، وعدم القدرة على التركيز، وخاصة في المدرسة، بما تتراجع معه قدرة الطفل على الاستيعاب، إلى جانب معاناته كوابيس مخيفة، والبكاء الدائم، والتبول اللاإرادي، وفقدان الشهية، أو الإفراط في الأكل، والشعور بالهم والحزن الدائم، وعدم الثقة بالنفس، علاوة على محاولة الصغير الهروب من البيئة المحيطة به إلى محيط آخر، مثل أصدقاء السوء؛ ظناً أنه سيجد عندهم الطمأنينة والراحة المفقودة لديه، عدا ذلك فقد يعاني الصغير مشاكل في النوم؛ لشعوره بالقلق، مع فقدانه الأمان العاطفي، لانعدام الاستقرار الأسري، مع إساءة ظن الطفل بالوالدين؛ حيث قد يلجأ الأب للإساءة الى الأم ويحاول إقناع الطفل بأنه على حق في ذلك النزاع، في حين قد يرى الطفل أن الأب يعد مذنباً عندما يرى أمه تبكي، خلاف ذلك قد تترسخ في عقلية الطفل فكرة أن الزواج سيئ، وترتبط في ذهنه عدة أفكار مشوشة ومشوهة لحياته الزوجية فيما بعد؛ حيث قد يتعامل مع زوجته بالطريقة نفسها التي عامل بها والده والدته، وخلافه.

حلول ممكنة

طرح استشاريون أسريون مجموعة حلول على الزوجين الأخذ بها؛ لتجنب الاختلاف حول تسمية الأطفال، وهي: يجب أن يختار كل منكما مجموعة أسماء حسب ذوقه، ثم عليهما معاً أن يقوما بتكوين مجموعة ثالثة تحتوي على أفضل الأسماء من أسماء المجموعتين، ثم محاولة إيجاد أفضل الأسماء.

إذا لم ينجحا في التوصل لاسم معاً، فعليهما تجربة القرعة، بأن يكتبا كل اسم في ورقة، والاستعانة بطرف آخر يختار ورقة من الأوراق، وعلى الطرف الآخر قبول النتيجة بالمرح والفكاهة.

من الممكن أن نتغلب على هذه المشكلة بحل آخر كأن يتناوب الزوج والزوجة على تسمية المولود فمن يسمي هذه المرة، لن يسمي المرة القادمة.

بعد الانتهاء من اختيار الاسم توجد خطوة ضرورية جداً، وهي سؤال الجد والجدة عن أحب الأسماء إليهما، فقد يكون لديهما نية في تسمية المولود، فيما ينبغي إقناعهما بالاسم المختار، لاسيما وأنهما يترقبان هذا اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"