سلاح المقاطعة والنفَس الطويل

01:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

إذا أرادت الشعوب فعلت، وإذا قررت نفذت، ودائماً ما تكون إرادتها صلبة وقراراتها حاسمة، ولا سبيل أمام من يستهدف رضى شعب إلا الرضوخ لإرادته والاستجابة لمطالبه. وأسلحة الشعوب متعددة تستخدمها حسب طبيعة المستهدف بالمواجهة، فهي تواجه الفساد وانفلات الحكم في الداخل بأسلحة الغضب والانتفاض والاحتجاج، بينما تواجه أعداء الخارج بالمقاطعة التي تكون في ظاهرها اقتصادية وفي جوهرها «غالباً» شاملة، ولا تلجأ الشعوب إلى استخدامها إلا بعد أن يعجز سلاح الدبلوماسية الرسمي عن ترويض الدول المارقة، وتخفيف شرور وأحقاد دول الشر، ووقف تنمر دولة على دولة أو دول أخرى.

الحملة الشعبية السعودية لمقاطعة المنتجات التركية التي أطلقها رئيس مجلس الغرف التجارية قبل أيام لم يتفاعل معها السعوديون فقط، وإنما تفاعلت معها شعوب كل الدول التي تأذت من المجون التركية والتجاوز الذي بلغ مدى لا يحتمل، والرعونة التي أشعلت وستشعل حروباً في مناطق مختلفة من الإقليم والمنطقة المحيطة. 

تجاوب معها الإماراتيون والمصريون والبحرينيون ومجموعات من دول عربية مختلفة؛ بل تجاوزت الحدود العربية لتتجاوب معها شعوب أرمينيا واليونان وقبرص والبقية تأتي. والسبب أن سياسة أردوغان هي استفزاز الكل، ومعاداة الجميع، وعدم ترك حليف له سوى شركائه في دعم الإرهاب ومموّليه في مساعي نشر الفوضى وتخريب الدول وتشريد الشعوب. 

الحملة لم تستهدف مقاطعة البضاعة التركية فقط، ولكنها استهدفت مقاطعة كل ما هو تركي، «لا استثمار ولا استيراد ولا سياحة، نحن كمواطنين ورجال أعمال لن يكون لنا أي تعامل مع كل ما هو تركي. حتى الشركات التركية العاملة في المملكة لا للتعامل معها، وهذا أقل رد ضد استمرار العداء والإساءة التركية إلى قيادتنا وبلدنا»، وهو الأمر الذي هز أركان نظام حكم أردوغان بعد أن ترك مفعولاً فورياً وانعكس سلباً على حركة التصدير التركي، وازدادت الليرة هبوطاً وانهياراً، وبارت المنتجات التركية في المصانع، ولا حل سوى السعي لتخزين ما يمكن تخزينه وإتلاف ما لا يمكن تخزينه، أو الإلقاء به أمام القصر الأبيض الأردوغاني لعل السلطان يفيق من أوهامه، وينقله من غياهب التاريخ الدموي إلى الحاضر الذي لا يقبل الباحثين عن أمجاد غابرة على جثث الناس وأنقاض الدول. 

حملة المقاطعة لا شك طيّرت النوم من عيون السلطان وجعلته يقظاً فاتحاً فاه كل الوقت، لعدم توقعه أن تكون الصفعة الشعبية أقوى ألماً من صفعات الحكومات، وخصوصاً بعد أن نشرت الصحف التركية تقارير عن المقاطعة وأفردت لها مساحات، وتحدث بعضها عن عواقبها على الاقتصاد وعلى مستوى معيشة الناس هناك، وأردوغان لا ينقصه غضب داخلي بعدما استفاق الشعب وانتهى مفعول المخدر الذي حقنه به سلطان الوهم خلال السنوات الماضية. 

من الطبيعي ألا يترك أذناب جماعة «الإخوان» الإرهابية وأشقاؤها من «الدواعش» وما شابههم، وداعميهم ومموليهم، أردوغان وحيداً، فهم يعون أن مصيرهم مرتبط بمصيره، لذلك فليس مستغرباً أن يخرج من بيننا من يدشن حملة مضادة تحت اسم «الحملة الشعبية لدعم تركيا»، يوظفون فيها الدين توظيفهم المعتاد، حيث بلغ تجاوز ما يسمى المجلس العالمي لحكماء المسلمين الذي أسسه شيخ الإرهاب يوسف القرضاوي، أن يخرج علينا رئيسه ويدعى أحمد الريسوني قائلاً: «محاربة اقتصاد تركيا مخالفة دينية تصل إلى الردة عن الإسلام، ودعم اقتصاد تركيا يعادل أجر عمرة»، وهذا يعد منتهى استغلال الدين والتجاوز عليه ونسب ما ليس منه.

وصل الأمر ببعض هؤلاء الإرهابيين للقول إن «الحملة هي حرب اقتصادية ضد بلد مسلم يدعم قضايا الأمة». ويبدو أن دعم قضايا الأمة أصبح يتمثل في تخريب سوريا والعراق وقتل أهلهما وتشريد الملايين، وإرسال المرتزقة إلى ليبيا، ودعم حرب أهلية على أرضها ودعم الإرهابيين في سيناء لقتل جنود الجيش والشرطة، واستضافة رموز التطرّف والعنف ومنحهم جنسية تركيا، والتجاوز في حق كل عربي لا يتوافق مع السياسات العدوانية لأردوغان ويرفض نهب خيرات بلاد العرب. 

المقاطعة سلاح أثبت فاعليته عبر التاريخ، ويكفي أن غاندي قاوم به احتلال إنجلترا لبلاده وأجبرها على الجلاء، والمهم فيه هو النفَس الطويل حتى يتحقق الهدف منه كاملاً، وقتها سينهار الاقتصاد التركي ومعه سلطان الوهم وداعميه، وسلاطين الإرهاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"