عادي

انتقادات للمفوضية الأوروبية بشأن حقيقة خفض الانبعاثات

21:52 مساء
قراءة 4 دقائق
د. محمد الصياد
د. محمد الصياد

د. محمد الصياد *

قوبل الإعلان الرسمي لمفوضية الاتحاد الأوروبي عن خطة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة لا تقل عن 55% (مقارنة بالتزام سابق نسبته 40%) بحلول عام 2030 مقارنة بالمستويات التي كانت عليها في عام 1990،، باستهجان وانتقادات من قبل منظمات ولوبيات المناخ عبر العالم، بسبب إصرار المفوضية، تضمين خطتها المعلنة، مصارف الكربون، ومنها إزالة الكربون من الزراعة واستخدام الأراضي والحراجة لتضخيم بيانات تحقيق الهدف.

والمناخيون الذين انتقدوا خطة المفوضية لإدراج مصارف الكربون في الهدف، يقولون إن هذا لا يعدو أن يكون «خدعة محاسبية» لتحقيق أهداف 2030. سام فان دين بلاس، على سبيل المثال، وهو مدير السياسات في منظمة «مراقبة سوق الكربون» (Carbon Market Watch) البيئية غير الحكومية، علق على ذلك قائلاً: «الاعتماد على الغابات للوصول إلى الأهداف المناخية يرسل إشارة خاطئة مفادها أنه لا بأس من الاستمرار في التلوث لأن الأرض سوف تمتص الكربون؛ وإن المفوضية الأوروبية تقوم في واقع الحال، بغسل أهدافها المناخية الخضراء، بما في ذلك عمليات إزالة ثاني أوكسيد الكربون، عبر التدليس في الأرقام المحاسبية، ما يعني أن الانبعاثات ستنخفض في الواقع بنسبة أقل بكثير من الأرقام الرسمية». أما أليكس ماسون، من الصندوق العالمي للطبيعة، فاحتج بقوله: «نحن نواجه حالة طوارئ مناخية، وليس هناك وقت للألعاب».

أين يكمن جوهر الخلاف؟ في الواقع، المفوضية الأوروبية لم تخطئ من حيث المبدأ في إدراج غاباتها ضمن مصادر خفض الانبعاثات. فغابات أوروبا (كما الغابات في العالم أجمع)، عُرفت تاريخياً بتشكيلها مصرفاً صافياً للكربون، لكونها تستهلك ثاني أوكسيد الكربون أكثر مما تنفث من الكربون. ومعروف على المستوى العالمي، أن المحيطات والغابات هما أكبر حوضين لامتصاص الكربون. لكن قدرة الغابات الأوروبية على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون، راحت تتقلص على مر السنين. وإذا لم تتخذ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إجراءات لردع التعديات على غاباتها، فإن مصارف الغابات يمكن أن تنخفض إلى 225 مليون طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2030، انخفاضاً من 300 مليون طن في عام 2010. وهذا هو جوهر الخلاف، وهو ما تقر به المفوضية الأوروبية على أية حال. فمع أن المفوض المختص بملف تغير المناخ في الاتحاد الأوروبي، الهولندي فرانسيسكوس تيمرمانس، برر احتساب مصادر امتصاص الكربون الطبيعية، ضمن خطة حياد الكربون الأوروبية، بالقول إنك إذا نظرت إلى المنطق والأساليب التي تعتمدها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، فإن الاتفاقية وآليات تطبيقها، تشمل أقنية تصريف الكربون، وهذا بالضبط ما فعلناه في المفوضية الأوروبية – إلا أنه اقر بأن قدرة الغابات الأوروبية على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون تتقلص على مر السنين، وإن حوض الامتصاص يجب أن يعود إلى مستوياته السابقة إذا أرادت أوروبا الوصول إلى الحياد المناخي، والحفاظ على التنوع البيولوجي في الوقت نفسه. مُقراً بأنه ليس كافياً القول إننا سنزرع 3 مليارات شجرة، بقدر أهمية المحافظة على الغابات سليمة.

وفي الوقت الذي أشادت فيه المجموعات البيئية بعزم المفوضية الأوروبية على استعادة الغابات والنظم الإيكولوجية الصحية، فإنها أشارت إلى تناقض ذلك مع هدف المناخ الحالي للاتحاد الأوروبي لعام 2030، الذي لا يأخذ، من وجهة نظرها، إزالة الكربون في الاعتبار. بيرت ميتز، عالم المناخ الذي شارك في رئاسة مجموعة عمل التخفيف التابعة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة – على سبيل المثال – أكد في مقال نشره في EURACTIV (شبكة إعلامية أوروبية مستقلة متخصصة في سياسات الاتحاد الأوروبي، أسسها في عام 1999 الناشر الإعلامي الفرنسي كريستوف لوكليرك)، أن الهدف الحالي الذي أعلنته المفوضية، لم يكن يشمل أقنية تصريف الكربون حين أعلن الاتحاد الأوربي التزامه بالخفض بنسبة 40% في عام 2014. وهذا يعني أن تضمين المصارف سيجعل هدف ال55% الجديد، وفعلياً، أقل من 50%، مصراً على أن هدف ال55%، يجب أن يكون انخفاضاً حقيقياً ومطلقاً، وليس هدفاً صافياً يأخذ في الاعتبار عمليات إزالة الكربون. 

حتى ذهب بعض المنظمات ومراكز الأبحاث لاتهام الاتحاد الأوروبي، من خلال تعديل هدفه في خطته الخاصة بالمناخ لعام 2030، بأنه لا يأخذ إزالة الكربون على محمل الجد، ولا يضعه في اعتباره، وأن مفوضية الاتحاد في بروكسل، تحاول التستر على التغيير في قواعد محاسبة الكربون.

ولعل هذا يضيء على جوهر الاحتجاجات على مثل هذه المقاربات المحاسبية الإشكالية لطريقة احتساب الكميات الحقيقية لخفض الانبعاثات، ويوضح أن تضمين المصارف في هدف 2030 الأوروبي، يحدث فرقاً كبيرا، فهو يعني أن القطاعات الأخرى مثل المباني والنقل والزراعة لن تضطر إلى خفض الانبعاثات بالقدر نفسه. ويعني أيضاً، أن «كتاب القواعد» (Rule Book) الذي يعد الآن الخليفة الشرعي لبروتوكول كيوتو، كلائحة تنفيذية لاتفاق باريس للمناخ، بحاجة إلى الإضاءة على هذه المسألة المحاسبية المهمة، وتدقيقها، وتحديدها.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"