«داعش».. عود على بدء

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

من بادية الشام مروراً بصحارى العراق وجباله الوعرة في الشمال ثم في إفريقيا وصولاً إلى القارة العجوز، في باريس ونيس وفيينا وربما غيرها، عادت خلايا «داعش» النائمة؛ لتنشط من جديد، في مؤشر يكفي للتيقن أن هذا التنظيم الإرهابي لا يزال يشكل تهديداً عالمياً.

 شكلت هزيمة «داعش» في آخر معاقله في بلدة الباغوز شمال شرقي سوريا، نهاية وجوده الجغرافي في إطار ما سُمي ب«دولة الخلافة» التي كان قد أعلنها في عام 2014 على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، ثم تواصلت الضربات وملاحقة فلوله حتى أمكن اصطياد بعض قادته وزعيمه أبو بكر البغدادي على الحدود السورية التركية مع نهاية أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي؛ لكن ذلك لم يكن كافياً لإنهاء الأخطار التي يمثلها، ولا لإنهاء الشرور التي تحملها «ذئابه المنفردة»؛ بعد أن تحولت تجمعاته العسكرية - المدنية الكبيرة إلى مجموعات منفلته، لجأت إلى عمق الصحراء والمناطق الجبلية ذات التضاريس الوعرة، ما أتاح له إعادة تجميع فلوله الهاربة، وتنظيم صفوفه، والعودة لشن غارات هنا وهناك، وقتل المدنيين، كما في سوريا والعراق، وحتى الاشتباك مع القوات الحكومية في البلدين. 

 لكن الأسوأ من ذلك، هو عودة «داعش» لأن يشكل تهديداً عالمياً؛ بعد أن ظن الجميع أنه تمكن من السيطرة على كل أنشطته، وتجفيف منابع تمويله، ووضع كل من يشتبه في انتمائه له تحت المراقبة، بمن في ذلك عائلات «الدواعش» التي عادت إلى بعض الدول الأوروبية؛ إذ يبدو أن حالة من التراخي على صعيد المراقبة الأمنية، واستبعاد إمكانية بعث نشاط خلاياه النائمة، اقترانا مع اقتلاعه من معاقله الأساسية، وتشتيت ما تبقى من قادته وعناصره، علاوة على الانشغال بمواجهة جائحة كورونا، كلها عوامل؛ أدت الى نوع من الاطمئنان والتراخي؛ لكنها في الواقع، فتحت ثغرات كبيرة، تسللت منها الخلايا الإرهابية لتضرب من جديد كما حدث أخيراً في باريس ونيس وفيينا. غير أن المشكلة لا تقتصر على الجوانب الأمنية، على أهميتها؛ لكنها تذهب في العمق إلى كيفية مواجهة ثقافة العنف والتطرف والإرهاب، والعمل على معالجة هذه الظاهرة من جذورها، وهو ما يقتضي الكثير على صعيد إعادة النظر في أوضاع الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة، خصوصاً في المجتمعات الأوروبية، والتي في الأغلب تشكل حواضن للإرهاب، ومعالجة هذه الأوضاع والارتقاء بها؛ لتتمكن من العيش بكرامة، وترسيخ حالة من الاستقرار أسوة بشرائح المجتمعات الأخرى. 

 كما، يقتضي مراجعة السياسات التمييزية والعنصرية في بعض الدول، التي لا هم لها سوى إرضاء قوى اليمين المتطرف، ومواقفه المعروفة من المهاجرين والأجانب، وهذا بدوره يحتاج إلى جرأة في اتخاذ خطوات تشريعية من شأنها أن تحقق العدالة لكل شرائح تلك المجتمعات. 

 وبالمحصلة، من المهم عودة اليقظة الأمنية في أوروبا والساحة الدولية عموماً، من دون أن يلغي ذلك استمرار ملاحقة «داعش» عسكرياً وأمنياً على تخوم المناطق التي كانت تشكل معاقله الأساسية يوماً ما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"