أزمة الديون الإفريقية والورطة الصينية

22:30 مساء
قراءة 3 دقائق
1

كلارا ماركيز *

زادت تعقيدات ديون الدول الفقيرة، وفي مقدمتها دول إفريقيا في ظل الإغلاقات الشاملة التي فرضتها ظروف تفشي كوفيد-19،حيث تتفاقم مشاكل العجز عن خدمات الدين في كثير من تلك الدول ما يهدد بنشوب نزاعات متعددة الأطراف بين الدائنين، ومقرضيهم، سواء كانوا مؤسسات تمويل، أو دولاً.

وتتجه زامبيا نحو كارثة ديون قد تمتد لأشهر، بل سنوات. وهي الآن أول دولة أفريقية معسرة تتخلف عن سداد مدفوعات سيادية منذ بداية انتشار الوباء. ولا شك في أن هذه أخبار سيئة لكل الأطراف المعنية، بدءاً من حاملي السندات، إلى المقرضين الصينيين، والمؤسسات متعددة الأطراف و انتهاء بالحكومة الزامبية. وهناك عملية إعادة هيكلة قد تطول في حال استمرار رفض حاملي السندات التسوية. وقد تساعد زيادة نسبة الشفافية في التوافق بين جميع الأطراف، بما في ذلك الصين.

ومعلوم أن الأسواق الناشئة تعرضت لضربة قوية هذا العام، حيث انهارت أسعار النفط والسلع الأخرى بمجرد تفشي فيروس كورونا. وقد جفت عائدات السياحة، وفرضت عمليات الإغلاق، وغيرها من القيود تكاليف باهظة على الجميع. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء سوف تشهد انكماشاً اقتصادياً بنسبة 3.3٪ في عام 2020، وهو أول ركود تشهده المنطقة منذ 25 عامًا. ويتعرض المقترضون المتحمسون مثل زامبيا، لضغوط شديدة. ففي أكتوبر/ تشرين الأول، تخلفت لوساكا عن تسديد دفعة بقيمة 42.5 مليون دولار على سندات مقومة بالدولار، ما اقتضى حصولها على فترة سماح انتهت قبل يومين، ومنحت حاملي السندات حق المطالبة بالتسديد الفوري.

وتخضع زامبيا وهي ثاني أكبر منتج للنحاس في إفريقيا، للمتابعة عن كثب كحالة اختبار في فوضى الديون العالمية. وقد سعت الحكومة التي تبلغ قيمة ديونها المستحقة 3 مليارات دولار من سندات اليورو، إلى الحصول على مخرج في إطار مبادرة تعليق خدمة الديون لمجموعة العشرين، للبلدان منخفضة الدخل. وحاول حملة السندات الحصول على مستحقاتهم من دون جدوى.

ويكمن جزء كبير من المشكلة في أن التفاوض جرى خلف أسوار مغلقة. ويتسابق حاملو السندات الخاصة مع الصين، ودائنين آخرين، للحصول على مستحقاتهم، لكن هناك الكثير من الغموض الذي يحيط بتفاصيل القروض والمفاوضات، من كلا الجانبين، ما أفضى إلى ندرة في الحقائق، ووفرة في الشكوك.

لكن المأزق الزامبي مختلف عن غيره من مشاكل الديون الإفريقية. ويتحمل قادة زامبيا المسؤولية حيث ازداد عبء الديون بشكل مطرد منذ عام 2012، بسبب السياسة المالية التوسعية والإنفاق الباهظ في كثير من الأحيان على البنية التحتية، في وقت كان النمو فيه متواضعاً، والعملة تتراجع. وحذر صندوق النقد الدولي من مخاطر أزمة الديون قبل فترة طويلة من تفشي كوفيد-19 من أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي قد تتجاوز 110% هذا العام.

ولكن في حين أن أبطال هذه الأزمة كانوا حاملي السندات، التي تمثل الجزء الأكبر من الديون الأفريقية قياساً إلى ما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن، فإن الصين تتصدر مشهد المفاوضات الحالية. ويزيد حجم العمليات الائتمانية الصينية عن ربع الدين العام الخارجي لزامبيا، ويريد مستثمرو السندات من القطاع الخاص، مزيداً من المعلومات حول تعاملات لوساكا خشية أن تفضل الصين عليهم في عمليات خدمة ديونها.

وعلى المدى الطويل، قد يعني القليل من الوضوح مكاسب دبلوماسية، حتى لو فقدت بكين بعض الميزات التفاوضية على المدى القصير. وقد حصلت الصين باعتبارها أكبر مقرض في القارة، على جوائز دبلوماسية وسياسية تسعى غالباً ًللحصول عليها. وتجدر الإشارة إلى أن الأمثلة التي يتم الاستشهاد بها كثيراً، مثل ميناء هامبانتوتا في سريلانكا، أو حتى صفقة شبكة كهرباء في لاوس، حيث انتهى الأمر بالصين إلى تحقيق حقوق ملكية، غالباً ما تكون معقدة، بدلاً من أن تحقق أهدافاً سياسة منسقة.

ومن غير المحتمل أن تكون عمليات شطب الديون الصينية في إفريقيا كبيرة. وهناك المزيد من عمليات إعادة التفاوض على خدمات الدين الصيني في جميع أنحاء إفريقيا، حيث تقدر شركة «روديوم» عدد صفقات إعادة الهيكلة عام 2020 بنحو 18 صفقة إضافة إلى 12 صفقة لا تزال قيد التفاوض، تغطي 28 مليار دولار.

وقد يحقق القليل من الوضوح، وربما حتى زيادة المشاركة في جهود إعادة هيكلة الديون العالمية، هدفاً آخر وهو زيادة الضغط على مقرضي القطاع الخاص من دول الغرب وحملة السندات لتقديم تسهيلات كما تفعل بكين.

*بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"