تجوال

23:47 مساء
قراءة دقيقتين

هذه المرة أتجوّل في «اعترافات ولعنات» الفيلسوف الروماني إميل سيوران، الذي كان يكتب بالفرنسية وولد في العام 1911، ورحل في العام 1995، وأكثر من نقله إلى العربية الشاعر والمترجم التونسي آدم فتحي.
أن تقرأ في ستة كتب دفعة واحدة تشعر كأنك تتنقل بين ست حضارات أو ثقافات، من سيوران الروماني إلى سهراب سبهري الإيراني، ومن صولخان سابا الجورجي إلى هنري كول المتعدد الجنسيات، فهو ولد في اليابان، وأمّه فرنسية، وأبوه أمريكي. أي خليط هذا من الجذور والفروع والأصول؟ ولكن لنتركه في جولة قراءة ثانية بعد يقين كامل أن أجمل هدية من الزمن للإنسان هي الوقت الذي يتحوّل إلى ذهب حين يقرأ المرء ستة كتب في أقل من ست ساعات. وماذا أيضاً؟ من بهروز قمري إلى زبيغنيف هَربَرت.
لا تتوقف يا صاحبي، أنت على دراجة هوائية، طائر، وخفيف، يحملك الهواء من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب بجواز سفر واحد وتذكرة واحدة وحقيبة من جلد الغزال محمولة على كتفين نحيلتين. لا تتوقف عن الطيران ولا عن السفر. القراءة طيران وسفر. وإذا كانت الكتابة دواء مُخفّفاً، فالقراءة دواءٌ مركّز.
يقول سيوران: «علينا أن نقرأ لا لنفهم غيرنا، بل لنفهم أنفسنا»، وعن الكتب يقول «لا ينتبه الألمان إلى أنه من السخف وضع كتاب ل «باسكال» وآخر ل «هايدغر» في كيس واحد»، ولكي يشرح سيوران هذه المفارقة يضيف أن البون شاسع بين مصير ومهنة.
ولكن ماذا عن الترجمة أو الأدق، أو الأكثر دقة، ماذا عن المترجمين؟ يقول: «المترجمون الذين أتيح لي أن أقابلهم كانوا أكثر ذكاء وإثارة للاهتمام من المؤلفين الذين كانوا يترجمونهم. وذلك لأننا نحتاج إليه عند الإبداع».
يذهب هنري كول إلى الخط العربي، ويتأمل الكلمة المكتوبة بالقلم بخط اليد.. يقول: يذكرنا خط اليد بأن الكلمة المكتوبة في العقيدة الإسلامية، لها الأهمية المركزية، فالقلم، كما يقول، والكتاب مُبجّلان منذ صفحات القرآن الأولى.
ولكن كيف نبني قرية؟ إذا كنت لست قادراً على بناء بيت، كيف بوسعك أن تبني قرية؟ دع عنك هذا السؤال الإحباطي، وتعلّم من الكلب والدّيك.
في كتابه «حكمة الكذب» يروي الحكيم والفيلسوف الجورجي صولخان سابا هذه الحكاية: تآخى كلب وديك وقرّرا: سوف نبني قرية. فسأل الكلب: وكيف نبنيها؟ قال الديك: أنت تنبح وأنا أصيح، وهكذا نبني القرية.
الحضارات مثل شبكة صيد سمك ضخمة، والبحّارة مُعلمونا الأوائل، من هؤلاء البحّارة الحكيم والفيلسوف آيسوب الذي أخذ منه صولخان الكثير من الحكمة على لسان الطير والحيوان، كما أخذ من «كليلة ودمنة»، و«ألف ليلة وليلة».
مرة ثانية، اركب درّاجتك الهوائية وتجوّل في الهواء الطلق ومعك حقيبة من جلد الغزال، فيها كتب ستة، وسافر إلى ست مدن، واقطع ستة بحور، وطُف في ستة أفلاك، وإذا استطعت ابنِ ستَّ قرى، وأنت وحدك المعماري والبنّاء، واجعل في كل قرية كتاباً وصديقاً وشبكة صيد: الكتاب لروحك، والصديق لقلبك، وشبكة الصيد لعقلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"