عادي

«كليفلاند» يجري جراحة معقدةً بالجهاز العصبي خلال يقظة مريضة لاستئصال ورم بالدماغ

21:05 مساء
قراءة 4 دقائق
1

أبوظبي: «الخليج»
أكمل أطباءُ الجراحة في مستشفى «كليفلاند كلينك أبوظبي»، أحد مرافق مبادلة للرعاية الصحية، سلسلةً من العلمليات الجراحية العصبية التي أجرَوها أثناء يقظة المرضى، ممن كانوا يعانون من أورام واضطرابات بالدماغ، فأعطوهم بذلك أملاً جديداً.
وشَهِدَت أول مريضة أجريت لها تلك العملية، واسمها صالحة الظاهري، تحسناً كبيراً في جودة حياتها. فأثناء عملية جراحية عالية الدقة والاختصاص أُجرِيَت لإزالة ورم بالدماغ في موضع قريب من المناطق الحرجة التي تتحكم في الكلام والمهارات الأخرى، ذكرت صالحةُ أسماءَ أشياءٍ، وقرأت جُمَلاً، وعَدَّت عداً تنازلياً بدءاً من الرقم 100، وهذا مَكَّن الأطباء من أن يتعاملوا مع الورم دون الإضرار بالمسارات الحيوية بالدماغ.
ومن خلال إجراء جراحة الدماغ أثناء يقظة المريضة، لم يكن الفريق الطبي متعدد التخصصات قادراً على استئصال الورم بالجراحة استئصالاً كاملاً وحسب، بل نجح كذلك في أن يقلل من نوبات الصرع التي كانت تنتاب السيدة الإماراتية (31 عاماً) مع الحفاظ على مهاراتها الوظيفية، بما يجعل العملية، الأولى من نوعها في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبعد الجراحة الأولى، أكمل الفريق الطبي بمعهد الأعصاب، في مستشفى «كليفلاند كلينك أبوظبي» إجراء ثلاث عمليات جراحية أخرى مشابهة، وسيجرون جراحتين أخريين خلال الأشهر المقبلة.
تقول صالحة، مشرفة حافلة مدرسية، تعمل في أبوظبي: «لقد كانت تجربةً تفوق خيالي، فما كنت أتوقع أن أرى الأطباء يجرون عملية جراحية لي، وأنا في يقظة كاملة، يسألونني وأجيب عن أسئلتهم. ولم أكن أشعر بأي ألم. الآن توقفت نوبات الدوار والصرع التي كانت تنتابني؛ ولن أستطيع أن أوفي الأطباء حقهم من الشكر لما بذلوه من جهد لتحقيق هذه المعجزة. وبرغم أنني ما زلت أخضع للتأهيل، إلا أن حياتي تحسنت كثيراً. وأتطلع لاستئناف عملي كما كنت».
نوبات الإنهاك التي كانت تنتاب صالحة، عرض نمطي من أعراض ورم في بارنشيما الدماغ (النسيج الوظيفي بالدماغ)، كان يسبب لها صعوبةً في الكلام، وشللاً مفاجئاً في ذراعها اليمنى. وهذه الأعراض أشارت إلى أن ورمَها بطيءَ النموِّ إلا إنه كان في موضعٍ قريبٍ جداً من مراكز اللغة والحركة في قشرة الدماغ.
وفضل الأطباء إجراء الجراحة العصبية أثناء اليقظة، لإزالة الأورام في المناطق المهمة وظيفياً في الدماغ، وقد تُمَكِّن الأطباء من مراقبة وظائف دماغ المريض طوال مدة الجراحة، وقللوا من مخاطر العملية الجراحية.
اختيار الأطباء للمرضى المرشحين لعمليات الجراحة العصبية التي تجرى أثناء اليقظة يكون بناءً على خطورة الأعراض التي لديهم، ولضمان ارتياح المرضى لفكرة أن يظلوا متيقظين أثناء الجراحة، ويكون هذا بعد مناقشات عديدة معهم ومع أسرهم.

يقول الدكتور فلوريان روزر، رئيس معهد الأعصاب، في مستشفى»كليفلاند كلينك أبوظبي«، وواحد من الجراحين الرواد في الدولة: «الورم الذي أصاب صالحة كان في مركز اللغة بالدماغ وهو من أهم المراكز. ولو أن الورم نفسه كان في الجانب الأيمن من المخ، لَكُنَّا استأصلناه والمريضة في حالة النوم، لانعدام خطر فقدان وظائف اللغة، وبالتالي فلا حاجة لأنْ تبقى المريضة متيقظةً أثناء الجراحة. ولكنك لا تستطيع أن تختبر وظائف اللغة، ولا الوظائف الإدراكية العليا، إلا حينما يكون مريضك متيقظاً. وأنا، حينما رأيتُ صالحة، عرفت أنها ستكون مرشحة مناسبة جداً لإجراء جراحتها أثناء اليقظة».
يضم الفريق الطبي الذي يتابع حالة صالحة، اخصائيين في الصرع، وأخصائيين نفسيين، وفنيي مراقبة العمليات الجراحية، واثنين من أطباء التخدير، واثنين من جراحي الأعصاب. وقد أجرى الفريق الطبي الفحوص العصبية الأولية، وساروا مع صالحة ومع أسرتها في جميع الإجراءات، على مدى أيام عديدة، استعداداً للعملية.
وللمرة الأولى، استخدم الجراحون العصبيون في المستشفى تقنيةً ثلاثيةَ الأبعاد، عاليةَ الجودة، تعطي صوراً متتابعةً تُسْتَوْرَد إلى داخل جهاز الملاحة، لرسم تخطيط بالمسارات الأكثر أماناً، للوصول إلى الورم وإزالته، وهي تقنية تعمل بطريقة نظام تحديد المواقع (جي بي إس)، للحيلولة دون تلف أي نسيج سليم بقدر الإمكان. واستعمل الفريق أيضاً نموذجاً مطبوعاً ثلاثي الأبعاد لدماغ صالحة وللورم، وذلك لرسم التخطيط قبل الجراحي، بطريقة (تحديد موقع المرض ثم معالجته).
يقول الدكتور روزر: «نحن المعهد الوحيد في دولة الإمارات، الذي يجري التصوير الشعاعي الوظيفي بالرنين المغناطيسي لوظائف مراكز اللغة، ونستخدم نظام ملاحة يوضح المسارات الليفية في الدماغ. ونحن أيضاً المستشفى الوحيد الذي استخدم اختبارات باللغة العربية، صُمِّمت خصيصاً لكي نتمكن من فحص صالحة، أثناء العملية، بلغتها الأم. وهذا أمر مهم لأن ترجمةً إنجليزيةً بسيطةً للاستبيانات الموجودة حالياً قد يدركها الدماغ بطريقة مختلفة تماماً».
وفي إحدى مراحل العملية، حين كان الأطباء يعالجون الدماغ، لم تكن صالحة في وعيها، ثم صارت متيقظة تماما طوال ثلاث أو أربع ساعات أثناء ما كان الجراح العصبي يجري تخطيطاً لدماغها ويستأصل الورم منه، ويمكن للمرضى أن يظلوا متيقظين أثناء هذه المرحلة من الجراحة، دون أن يشعروا بألم، لأن نسيج الدماغ لا يشعر بأي ألم. وكان الفريق يتحدث إلى صالحة طوال الوقت، ويطلب منها أن تؤدي بعض الحركات الإرادية أثناء ما كانوا يحددون موضع الورم ويستأصلونه.
يقول الدكتور يوجين آتشي، استشاري طب الأعصاب، وعضو في فريق رعايتها الطبية، إنهم استطاعوا أن يستأصلوا منطقة الصرع التي كانت تسبب لها النوبات، وكان ذلك في أثناء يقظتها أيضاً. وضعنا شريحة رقيقة من الأقطاب الكهربائية مباشرة على الدماغ لتلتقط النشاط الصرعي (نشاط الدماغ أثناء نوبات الصرع). وقد حددنا منطقة الصرع لأن المريضة بدأت تستجيب حسياً، ولكننا كنا حذرين جداً تفادياً لإثارة أي نوبةٍ من الصرع العصبي، لأن سلامتها كانت أهم أمر بالنسبة لنا.»
ويختتم الدكتور يوجين قائلاً: «في مثل هذه الجراحات المعقدة، من المهم للفريق أن يبني مع المريض علاقة قوية من الثقة والطمأنينة ليضمن نتائج ممتازة كالتي رأيناها في حالة صالحة. أنا فخور جداً لأن صالحة وأسرتها قرروا إجراء هذه العملية في بلدهم، في دولة الإمارات، وقد ساهم هذا كثيراً في تعافيها سريعاً.»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"