عادي

تحولات مهمة في تاريخ الفلسفة

20:14 مساء
قراءة 3 دقائق
1
1

القاهرة: «الخليج»
«من سقراط إلى سارتر البحث الفلسفي» كتاب من تأليف أستاذ مرموق في الفلسفة، هو «ت. ز. لافين» وقد تخرج في واحدة من أعظم جامعات العالم، وهي جامعة هارفارد، ويشهد الكتاب بسعة المعرفة وعمقها ودقتها، ويمتاز في الوقت ذاته، ببساطة العرض والإيضاح، حتى حينما يتناول أعقد المفاهيم والأفكار الفلسفية، وهذا ما يجعل الكتاب ملائماً للقارئ العام، فضلاً عن دارسي الفلسفة، ولذا فهو يحمل عنواناً طالما تكرر في غيره من الكتابات المخصصة لهذا القارئ.
«من سقراط إلى سارتر» يجعلنا نتساءل: لماذا البدء من سقراط والانتهاء بسارتر تحديداً؟ ألم يكن هناك فلاسفة كبار يسمون «السابقين على سقراط» وعلى رأسهم هرقليطس الذي ربما كان أكثر أهمية من سقراط نفسه؟ أو لم تكن هناك حقبة فلسفية تالية على سارتر على امتداد نصف قرن أو أكثر؟ ولماذا التركيز على ستة فلاسفة دون غيرهم وهم أفلاطون وديكارت وهيوم وهيجل وماركس وسارتر؟ وكيف يتسنى لنا الانتقال مباشرة من أفلاطون إلى ديكارت متجاوزين بذلك عشرين قرناً من الزمان لم تخل من الإبداع الفلسفي؟ لماذا يتم تجاوز فلاسفة كبار في القرن العشرين من أمثال مارتن هيدجر، على سبيل المثال الذي ربما يعد أكثر ثقلاً من سارتر من الناحية الفلسفية البحتة؟
توضح مقدمة المترجم أشرف كيلاني أنه ينبغي أن نضع في الاعتبار أن هذا الكتاب ليس بموسوعة في تاريخ الفلسفة، وإنما هو محاولة للوقوف على التساؤلات الكبرى الموجهة للبحث الفلسفي، ولهذا كان لا بد للمؤلف من انتقاء المحطات الفلسفية التي طرحت هذه التساؤلات التي شغلت بال الناس، وركزت عليها على نحو تردد صداه لدى القارئ العام، ومن الإنصاف القول إن المؤلف لم يغفل تماماً الاتجاهات الفلسفية الأخرى بخلاف الوقفات الفلسفية الرئيسية التي طرحها في كتابه، فهو قبل أن يتوقف عند محطة ما تطرح سؤالاً رئيسياً، يمهد لها بما قبلها، ويواصل مسيرة السؤال بعدها، على نحو يمهد للانتقال للمرحلة التالية، ولهذا نجد المؤلف قبل أن يبدأ وقفته الأولى عند أفلاطون، يمهد لهذه الوقفة عند سقراط، وهو قبل أن ينتقل لديكارت يعرج على الفلسفة الرواقية وينوه بفلسفة العصور الوسطى بوجه عام، كما أنه قبل أن ينتقل إلى الأسئلة المتعلقة بالمعرفة التي أثارها هيوم ومن بعده كانط يتناول هذه الأسئلة بشكل عام كما تجلت في فلسفة لوك، وهو ينتقل بسلاسة من هيجل إلى ماركس، ومن ماركس إلى سارتر، ليمسك بالخيوط المشتركة بين هؤلاء الكبار، كذلك فإنه لم يغفل تماماً اتجاهات فلسفية من قبيل البراجماتية والفلسفة التحليلية والظاهراتية وما بعد الحداثة، وربما يكون عدم توقفه باستفاضة عند اتجاه ضخم كالظاهراتية بسبب تشعب هذا الاتجاه وتعقده، بحيث لا يمكن استيعاب توجهاته بشكل عابر.
يقدم الكتاب عرضاً شيقاً لحياة أشهر الفلاسفة: أفلاطون وديكارت وهيوم وهيجل وماركس وسارتر، والعصور التي عاشوا فيها، وهو كتاب مثير للفكر والتأمل، يحملنا في رحلة ممتعة منذ نشأة المجتمع الغربي في أثينا القديمة، حتى يومنا هذا، ويصور الفلاسفة الغربيين في بيئتهم التاريخية الفكرية التي أثرت فيهم وفي فلسفاتهم، كما يسرد بشكل مبسط التحولات المهمة في تاريخ الفلسفة وموضوعاتها، ما يتيح لنا فهماً أوضح وأعمق لأنفسنا وواقعنا من خلال فلسفة تنبض بالحياة.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"