الاعتدال في السياسة والحياة

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

براكاش كونا *

في رواية بعنوان «كريستوفر أنبورن» للروائي المكسيكي كارلوس فوينتيس، يراقب الجنين كريستوفر، العالم وهو لا يزال في رحم أمه، ليقول للناس إن التطرف مرغوب فيه في الفن، لكن ليس في السياسة أو في الحياة. فالكتاب والفنانون لهم الحق في التفكير المتطرف لأنه لا حدود للخيال، لكن ذلك ليس مسموحاً للناس عامة، خاصة عندما يتعلق الأمر بسلوكهم مع أقرانهم أو فلسفتهم في الحياة. وبما أن السياسة تتعلق بحياة الناس فلا بد من وضع قيود على سلوك أصحاب النفوذ من أجل تجنب إساءة استخدام السلطة.

 لقد أصبح الكثير من التجاوزات في السلوك اليومي الذي أصبح جزءاً راسخاً في حياة الشعب الهندي، ينجم أيضاً عن عنف الأفلام والمسلسلات الهزلية؛ حيث تكون الشخصيات على استعداد لخنق بعضها البعض لأسباب واهية. ومن الواضح أن السلوكيات البسيطة التي تحمل رمزية الأدب والتكيف مع الآخر واللطف، التي يمكن أن تلعب دوراً هائلاً في إقامة الروابط بين الناس أو في إزالة التوترات، مغيبة كلياً. وقد طغت السلبية على ردود الأفعال خشية الوقوع في المشاكل، وهو عذر يبدو مقنعاً. من المعروف أن المخاوف غير المنطقية تبالغ في تصوير التهديد؛ بحيث يخشى الفرد المعتدى عليه القيام بأي رد.

 ومع تضاؤل فرص تغيير العالم في المدى المنظور، فمن المهم العمل على تغيير قناعات الكثير من شعوبه عبر أنظمة التعليم ووسائل الإعلام من خلال تشجيع نوع معين من الاعتدال في الحياة اليومية. هذا مهم بشكل خاص في البلدان الأقل نمواً في العالم؛ حيث تتصاعد احتمالات اللجوء إلى العنف لأتفه الأسباب في ظل التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الصارخ.

 هناك قاعدة ذهبية في السلوك البشري وهي بسيطة أيضاً، افعل ما تريد طالما أنك تدرك أن هناك آخرين من حولك، ومشاعرهم مهمة بطريقة أو بأخرى. إن التعامل مع «الجحيم» الذي هو «الآخر»، كما وصفه سارتر، هو الحيز الذي يكمن فيه الغموض. وهذا الغموض أبدي لا نهاية له طالما أننا ننتمي إلى الجنس البشري. إن أساس القاعدة الذهبية بسيط وعميق بنفس القدر: الناس ليسوا جميعاً سواسية ولا دائماً متماثلون. لا يمكن أن تكون لديك نظرية أو صيغة واحدة تصلح لكل فرد أو مجموعة.

 لقد تعلمت من السفر مبدأ شخصياً اعتمدته لنفسي وهو أن لا أسمح للاختلافات بأن تعترض طريق علاقتي بالناس. لذلك استمتعت بصحبة أشخاص من مختلف اللغات والمجتمعات والجنسيات. لم أعتقد بأن كل شيء يتعلق بي أو ببلدي أو الأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعتي رائع، كما لا أعتقد بأن كل شيء عن الآخرين أقل من رائع. لست مهتماً بما إذا كان الشخص يمينياً أو يسارياً أو وسطياً، من بلدي، أو من دولة من دول العالم تعلم الناس في بلدي مدحها أو ذمها. أنا مهتم فقط بكيفية ارتباطهم بي كأفراد وما أعنيه لهم. هذا لا يعني أنني أتفق معهم، كما لا يعني أنني لن أعارضهم أيضاً. لكن، في كلتا الحالتين، لا أنوي اختزال إنسانيتهم ​​إلى أي نوع من الصيغ والأحكام المسبقة أو أعاملهم بازدراء قد لا يستحقونه.

 إذا كنت تريد معرفة الطبيعة الحقيقية لشخص ما، أعطه القوة أو المال أو كليهما، وامتحنه. فقليلون هم الأشخاص الذين يحتفظون بطبيعتهم الحقيقية في مواجهة إغراءات السلطة والمال. لذلك، لا أرى أي سبب يمنع الناس من الارتباط ببعضهم البعض، بغض النظر عن الاختلافات وبغض النظر عن السياسة التي تحكم هذه الاختلافات.

 أنا مقتنع بأن فلسفة الاعتدال فقط هي التي تتوافق مع ما نسميه الديمقراطية، مع فارق العدد. أعتقد جازماً بأن الأشخاص الصادقين مع أنفسهم لا يمكنهم اتخاذ مواقف متطرفة، لأنهم يعرفون أن الناس بشر. 

لذا فالتعصب أخطر من سم الكوبرا. والاعتدال هو الترياق المضاد للتطرف والصلاح الذاتي. ومن أسف أن إغراء اللاعقلانية والافتقار إلى الاعتدال يحكم سلوكنا في الغالب، لأننا ننسى اللحظات السعيدة التي تجعل الحياة رائعة، وبدلاً من ذلك نتشبث بذكريات تؤلمنا، لكن لفترة وجيزة، كما لو أننا لن نساوي شيئاً بدون الألم.

* شاعر ومؤلف مسرحي -أستاذ اللغات في جامعة حيدر أباد. (سي إن إن)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شاعر ومؤلف مسرحي -أستاذ اللغات في جامعة حيدر أباد. (سي إن إن)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"