لبنان و«تايتنك» والموسيقى

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

«لبنان هو تايتنك بدون الأوركسترا.. اللبنانيون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى».. بهذه الكلمات لخصت فرنسا على لسان وزير خارجيتها الواقع اللبناني اليوم وهو تتقاذفه المشكلات وتعصف به الأزمات من كل حدب وصوب، والطبقة السياسية غارقة في حسابات الأحجام والحصص والحقائب الوزارية ومعها المناكفات الكيدية، بينما الشعب يغرق في الجوع والفقر و«يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت».

«تعددت الأسباب والموت واحد».. فالغرق هو أحد أشكال الموت القادم من البر والبحر، فلا البحر قادر على تأمين الهجرة وترك الوطن لطبقة سياسية فاسدة تتلهى بحساباتها الذاتية وأنانيتها المفرطة لعلها تكتشف أنها تعيش وحدها على أرض مقفرة، ليعيد البحر جثث من تجرأ على الاحتجاج بالبحث عن مكان آخر أكثر أماناً إلى شواطئ البلاد مذكراً بهول المأساة. ولا البر قادر على تأمين لقمة العيش لأغلبية الشعب الذي أصبح تحت خط الفقر، وهو ينتظر تحديد مصيره على يد هذه الطبقة الفاسدة، وكأن الغرق أو الموت أصبح مسألة وقت لنهاية محتومة من دون أي مراسم عزاء أو حتى موسيقى، كما يحدث في المناسبات الرسمية، أو على غرار تلك الموسيقى التي كانت تصدح قبل اصطدام السفينة «تايتنك» بجبل الجليد.

 لا يمكن لأي شعب في العالم أن يقبل ببقائه رهينة لرغبات طبقة سياسية بذريعة النظام السياسي، إذ ما نفع هذا النظام السياسي إذا كان سيؤدي إلى هلاك الشعب، وإذا كان لا بد من الهلاك فليذهب النظام السياسي إلى الجحيم، وعندما خرج مئات آلاف اللبنانيين من مختلف الطوائف والمشارب السياسية قبل أكثر من عام إلى شوارع بيروت والمدن والقرى اللبنانبة كانت حناجرهم تهتف برحيل الطبقة السياسية الفاسدة جميعها «كلن يعني كلن»، وهم يدركون أن هذا النظام السياسي الذي بات عمره يقترب من مئة عام هو سبب كل الكوارث والمآسي التي حلت بهم، وبالتالي فلن يأسفوا على رحيله مع الطبقة الفاسدة التي أنتجها على مدار تلك العقود، لأنهم تواقون إلى الحرية والانعتاق من قيود الطائفية والمذهبية والمحاصصة السياسية والحزبية إلى الدولة المدنية، دولة القوانين والمؤسسات والعدالة الاجتماعية. 

 من المؤسف أن يتحول بلد كان ذات يوم يقرض الكثير من دول العالم إلى دولة تستجدي المساعدات الخارجية، ومن المؤسف أكثر أن تتحول مجرد عملية تشكيل حكومة في هذا البلد إلى قصة «ألف ليلة وليلة» من دون أن يرف جفن للطبقة السياسية للحال التي وصل إليها الشعب اللبناني، والانهيار الشامل للبلاد، سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، والبقاء في عالم الحسابات الضيقة والمحاصصة و«الثلث المعطل»، بينما التعطيل يطال الكل وليس الثلث فقط، والعالم ينتظر ويضغط من أجل الاصلاحات، لكن الأهم هو أن الشعب اللبناني الذي ينتظر انتشاله من الغرق لم يعد يثق لا بالحكومة الجديدة، إن شكلت، ولا بالقوى والجهات التي توافقت عليها ما دام النظام السياسي القائم على حاله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"