عادي

جامعات خاصة تتحايل على معايير مفوضية الاعتماد الأكاديمي

01:37 صباحا
قراءة 6 دقائق
1

تحقيق: محمد الماحي

في ظل الطموحات التي تضعها الدولة اليوم على التعليم الجامعي لنجاح الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، من خلال ماتقدمه للمجتمع من قوة بشرية مؤهلة، ومخرجات تعليمية ذات كفاءة عالية في مختلف التخصصات، تمتلك عناصر القوة الأدائية، والمهنية، والمهارات، والاستعدادات التي تصنع منها قوة بشرية لبناء مستقبل الوطن، وتحقيق التنمية الشاملة، لذلك وضعت وزارة التربية والتعليم معايير ومؤشرات أداء ومواصفات مقننة للجامعات والكليات لتحقيق هذه المهمة، وأوجدت مؤسسات متخصصة للاعتماد الأكاديمي تعمل على تنظيم جودة التعليم العالي، بما يضمن له الاستمرار في المحافظة على المستوى الذي يحقق المعايير الدولية، وتشجيع مؤسساته على تحسين جودتها الداخلية، سواء ما يتعلق بالبرامج الأكاديمية التي تطرحها، أو بيئة العمل الأكاديمي ومستوى استيفائها للمعايير والشروط، إلى غيرها من الاستراتيجيات التي استهدفت تنظيم منظومة التعليم العالي والجامعي.
في المقابل، هنالك عدد من الجامعات والكليات الخاصة لا تعطي معايير الاعتماد التي تشمل الجوانب الأكاديمية والإدارية، الالتزام الكافي الذي اعتمدته الوزارة لتحديد مستويات الثقة للجامعات في الدولة لضمان جودة التعليم وفق أحدث المعايير الدولية، وتعزيز السمعة العالمية المرموقة لمؤسسات التعليم العالي داخل الدولة، وأخرى تركز على الربحية أولاً، وتنأى عن طرح التخصصات المكلفة التي تحتاج إلى مختبرات، وأجهزة تكلفها الكثير، فتطرح التخصصات ذات الكلفة القليلة، وإغراق سوق العمل بالخريجين في تخصصات معينة لا تلبي الخطة الاستراتيجية للدولة ورؤية الإمارات 2021، خاصة أن الدولة تحتاج إلى كوادر مواطنة في التخصصات العلمية، والدقيقة، والعلوم التطبيقية، والطب، في وقت تركز فيه معظم البرامج الأكاديمية على إدارة الأعمال وتقنية المعلومات.
 المستويات العالمية 
لضمان كفاءة مؤسسات التعليم العالي والتأكد من استجابتها لنظم وتشريعات ولوائح وزارة التربية والتعليم، استحدثت الوزارة خطة رقابية محكمة ألغت بموجبها ترخيص ست مؤسسات تعليم عالٍ، وأخضعت ستة أخرى للرقابة، خلال عامين، بسبب عدم الالتزام بتطبيق معايير الاعتماد التي تشمل الجوانب الأكاديمية والإدارية. وتأتي الخطة الرقابية تنفيذاً لتوجيهات القيادة الرشيدة بتطوير منظومة التعليم العالي والارتقاء بمستوى المؤسسات التعليمية، والتأكد من سلامة البرامج التعليمية المطروحة في تلك المؤسسات وتماشيها مع المستويات العالمية، وبما يضمن تحقيق معايير الجودة الشاملة لهذه البرامج.
ويرى مختصون أكاديميون خلال حوارهم مع «الخليج» أن بعض الجامعات والكليات الخاصة تتهاون في الالتزام بمعايير ترخيص مؤسسات التعليم العالي، ومعايير قبول الطلبة، وتحولها إلى مؤسسات «بزنس»، في وقت حذروا فيه من تأثير هذا الضعف عفي سوق العمل، مشيرين إلى أن الجامعات والكليات الخاصة تركز على التخصصات ذات الكلفة القليلة، وتبتعد عن التخصصات العلمية التي تحتاج إلى مختبرات وأجهزة تكلفها الكثير، معتبرين أن المؤسسات المسؤولة عن ترخيص البرامج الأكاديمية مطالبة بخلق حالة من التوازن بين التخصصات الأكاديمية.
 سُنة حميدة
الأكاديمي الدكتور سالم زايد الطنيجي، الأستاذ في كليات التقنية العليا، وجه انتقاداً إلى الجامعات والكليات الخاصة لتهاونها، كما يقول، في تحديد معايير مفوضية الاعتماد الأكاديمي بوزارة التربية والتعليم، وأكد أهمية أن تكون لدى الجامعات الخاصة أهداف ورؤى واضحة، لا تقبل التأويل، وأن تسعى بكل صدق وأمانة لتحقيقها بما يخدم المصلحة العامة، والطلبة المنتسبين بصفة خاصة. وتابع: بالرغم من أن تعدد الجامعات والكليات وكثرتها في هذه الأيام سنّة حميدة، وباب من أبواب التنافس لتقديم الأفضل، إلا أن هذه النعمة باتت نقمة، لا سيما بعد أن وجهت أغلبية هذه الكليات بوصلتها نحو التكسب، وجني الأرباح، ما أثر كثيراً في المنتج الأكاديمي ومستوى الخريجين، فضلاً عن أن الجيل السابق كان أكثر مسؤولية وحرصاً على تحقيق الأهداف، والتحصيل العلمي الجيد.
وناشد الطنيجي وزارة التعليم العالي تكثيف الرقابة على الكليات، لاسيما القانونية منها، والوقوف مطولاً عند معايير العمل والأنظمة الدولية المتبعة فيها، وعدم منح الترخيص والاعتماد لأي منها إلا بعد فترة زمنية مطولة تخضع فيها لرقابة شهرية.
 تكدس الطلبة
أما الخبير الأكاديمي الدكتور خالد صقر المري، فيرى أن إشكالية تكدس الطلبة في تخصصات معينة، وعدم إقبالهم على جميع التخصصات مسؤولية الجميع، سواء المؤسسات الأكاديمة، أو التعليم العام، وأولياء الأمور، والطلبة أنفسهم، وأن سوق العمل في الإمارات يحتاج إلى كوادر مواطنة في التخصصات الفنية والعلوم التطبيقية.
ويتابع: إن جامعات خاصة تطرح برامجها الدراسية وفقاً لتوجهات إداراتها وليس لاحتياجات سوق العمل، حيث تبحث إدارات مثل هذه الجامعات عن البرامج غير الفنية، والتطبيقية، والعلمية التي تعتبر تخصصات مكلفة على الجامعات نتيجة احتياجها لمختبرات وأجهزة مكلفة، وبالتالي لا تتوافق مع ربحيتها، فتميل إلى طرح التخصصات غير العلمية التي تلقى إقبالاً كبيراً من الطلبة، وخاصة إدارة الأعمال التي تجذب نسباً كبيرة منهم.
ويطالب المري الجهات المسؤولة عن منح التراخيص للمؤسسات الاكاديمية بخلق توازن في مسألة طرح البرامج الأكاديمية، ولتركز على طرح التخصصات الفنية والتطبيقية التي تحتاجها الدولة وبشكل كبير وتتوفر فيها فرص وظيفية للكوادر المواطنة.
 وضوح الرؤية
 يقول الخبير التربوي مانع النعيمي، في ما يتعلق بالتعليم العالي، هناك إشكالية تتمثل في عدم وضوح الرؤية والتخطيط بين مخرجات المؤسسات الأكاديمية، وبين احتياجات سوق العمل، والحقيقة أن الجامعات الخاصة تعمل بشكل منفصل وبمعزل عن استراتيجية الدولة، ولا توجد عليها رقابة، ويلاحظ من خلال البرامج الأكاديمية التي تطرحها أن هدفها الربحية، حيث تدرس هذه الجامعات التخصصات التي يقبل عليها الطلبة والتي لا تكلفها كثيراً من الأموال وتقوم بطرحها، ونحن نعرف أن التخصصات العلمية بحاجة إلى تجهيزات ومختبرات مكلفة، لذلك تنأى عنها العديد من الجامعات الخاصة، ويفترض من المؤسسات الأكاديمية في الدولة أن تعمل لتحقيق رؤية الإمارات 2012 وتخدم أهدافها.
وأضاف النعيمي أن معظم الجامعات الخاصة تفتقر أجندتها التعليمية إلى الأبحاث العلمية، وأن نسبة ما ينفق على البحوث العلمية ضعيف جداً، ولا يمثل الطموح لخلق قاعدة بحثية ترتقي للمستوى المطلوب لتطور عمل الجامعات، إلى جانب عدم ربط البحث العلمي بالمجتمع واحتياجات التنمية، والحرص على أن تصب البحوث الأكاديمية في مصلحة الباحث، أو مؤسسة التعليم العالي فقط، من دون أن يربط ذلك باحتياجات التنمية والتطوير في المجتمع.
 منطق الربحية
ويتفق الخبير التربوي علي سيف حميد الجنيد، مع ما سبق، ويضيف إليه أن الجامعات الخاصة يغلب عليها طابع الربحية، ونلاحظ أن معظم التخصصات التي تطرحها هذه الجامعات لا تحتاج إلى بنية تحتية مكلفة مادياً، وأن الأشخاص الذين يديرون الجامعات الخاصة يديرونها من خلال منطق الربحية، والاستثمار، وبالتالي، فإن التخصصات العلمية والتطبيقية والفنية غير مجدية لهم اقتصادياً، وماليا، لذلك يترتب على الحكومة أن تحاول سد هذه الثغرة من خلال تقديم البرامج التطبيقية كالهندسات بمختلف فروعها، والتخصصات الطبية والفنية، وهذا الأمر يحدث توازناً في المشهد التعليمي في الإمارات، ويجب أن تكون هناك حوافز للطلبة الذين يلتحقون بمثل هذه التخصصات لتشجيعهم على دراستها، وبالتالي تخريج كوادر وطنية مؤهلة بما يتوافق مع الخطة الاستراتيجية للدولة.
تحديات كبيرة
وتابع: الجامعات والكليات الخاصة ما زالت تواجه تحديات كبيرة، على الرغم مما حقّقته بعض الجامعات من تطور وتقدم نتيجة الإصلاحات والمراجعات التي قامت بها من أجل جودة الأداء وتحسين المخرجات، لافتاً إلى أن المتأمل في واقع الجامعات الخاصة يرى عدداً من المشاهد المختلفة التي تدل على غياب ثقافة الجودة وتطبيقها في تلك الجامعات، ومنها غياب التخطيط الاستراتيجي في الجامعات، معرباً عن أسفه في أن التخطيط الاستراتيجي في معظم الجامعات الخاصة لا يتجاوز كونه خططاً مكتوبة على ورق ليس لها أثر في الواقع، فالممارسات والنتائج والمخرجات تدل على ذلك.
 اتفاق ضمني 
ويقول الدكتور جلال حاتم مدير جامعة أم القيوين، كان الأساس الذي بنيت عليه فكرة دعم سوق التعليم بطيف الجامعات والكليات الخاصة في الدولة، مشروطاً باتفاق ضمني تفرضه منطلقات الهوية الإماراتية، بأن تكون سياسة هذه الجامعات والكليات منسجمة كل الانسجام مع ثوابت الدولة في تحقيق التنمية الشاملة، ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي، ولكن الأمر شيئاً فشيئاً بدأ يأخذ منحى آخر، وأن جامعات خاصة عدة تواجه صعوبة بتعديل أوضاعها، والتكيف مع متطلبات التعليم العالي والشروط والمعايير المحددة رغم أنها إنذارات الوزارة لها. 
وأضاف: يجب متابعة جودة التعليم في الجامعات والكليات وجودة المخرجات التعليمية التي تعتمد على الشفافية وجودة أعضاء التدريس وتطبيق القواعد والنظم بأسلوب إداري حازم، مشيراً إلى أن عدداً قليلاً من المؤسسات التعليمية نجحت في الربط بين مخرجات البرامج التعليمية المطروحة، وبين سوق العمل، وأصبح خريجوها قادرين على التعامل مع متطلبات سوق العمل عندما ينضمون إليه، أو بعد فترة وجيزة من ذلك.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"